ونجحت خطة فرنسا هذه المرة
وكان الوجه الثاني للخطة خاصا بجبهة التحرير وقيادتها؛ أي إعطاؤهم الاستقلال هم الآخرون على هيئة مشكلة يتصارعون حولها ويتناحرون.
وهنا فقط، في هذه النقطة بالذات، نجحت الخطة الفرنسية نجاحا لم تكن تتوقعه فرنسا نفسها، ودون أي تدخل علني منها يشجب موقفها أمام العالم، ويكشف عن وجهها الذي غيرته ولون جلدها.
تولى القادة الجزائريون - دون وعي منهم - أن ينفذوا بالنيابة عن فرنسا خطتها. وبينما الشعب يركل القوت والعمل والصحة وأية مطالب حيوية أخرى له، ويفوت على فرنسا خطة أن ينقلب استقلاله كارثة ومشكلة، بينما الشعب يفعل هذا كان النزاع بين القادة ينفجر، النزاع حول السلطة، ويبدأ من أول يومه قاسيا مريرا بحيث يصل خلال بضعة أيام إلى عنفوانه.
هل هو صراع بين جزائريين وجزائريين، فقط؟
ولكن هذا الحديث كله عن الصراع نقوله ونحن لا نزال في منطقة البراءة والنية الحسنة، نقوله باعتبار أنه خلاف في الرأي أدى إلى تطاحن، باعتبار أنه جزائري مائة في المائة لا دخل لفرنسا ولا لأي يد أخرى فيه.
فهل هو هكذا فعلا؟
إنها الصورة التي تبدو للعين المجردة؛ ففي العلن الصراع جزائري دما ولحما ولا أحد يتدخل فيه، وكل الأطراف من غربها إلى شرقها تبدو واقفة لا تفعل إلا أن تتفرج على الموقف وتنتظر النتيجة.
فهل هذا هو ما يدور في الخفاء أيضا؟
لقد أصبحت مودة أن نتهم الاستعمار، وأن ننفي عن أنفسنا كل مسئولية ونحمل الاستعمار، هذه الكلمة الواسعة المطاطة التي أصبحت وهي تنطق مجردة لا تعني شيئا بالمرة؛ فحتى أمريكا تقول إنها تكافح الاستعمار. من السهل أن نقول القوى الاستعمارية هي المسئولة عن هذا الصراع وهي التي تحركه، ولكن هذا القول لا يقربنا من الحقيقة ومن فهم الوضع ومعالجته أية خطوة. المهم أن نعرف حقيقة كيف يتدخل الاستعمار، ومع من يقف، وكيف يحرك الخلاف. المهم ألا نقولها كلمة مبهمة ونمضي؛ فليس أحب إلى قلب الاستعمار نفسه من أن نرتكب هذه الحماقات اللفظية، ونساهم بهذه الطريقة في تغطيته.
Unknown page