عنه، وحملوه على ما يقع في النفس مما لا يقدر على دفعه، لكن من يقع له ذلك مأمور بمجاهدة النفس على تركه.
"والقسم الثاني" أن يكون من أعمال الجوارح، كالزنى، والسرقة، فهو الذي وقع فيه النزاع، فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلًا، ونقل عن نص الشافعي، ويؤيده ما وقع في حديث خريم بن فاتك المنبه عليه قبل، فإنه حيث ذكر الهم بالحسنة قال: علم الله أنه أشعرها قلبه، وحرص عليها، وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد بشيء، بل قال فيه: ومن هم بسيئة لم تكتب عليه، والمقام مقام الفضل، فلا يليق التحجير فيه.
وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم، وسأل ابن المبارك سفيان الثوري: أيؤاخذ العبد بما يهم به؟ قال: إذا جزم بذلك، واستدل كثير منهم بقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥] وحملوا حديث أبي هريرة الصحيح المرفوع: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به، أو تكلم" ١ على الخطرات، كما تقدم.
ثم افترق هؤلاء، فقالت طائفة: يُعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصةً بنحو الهم، والغم، وقالت طائفة: بل يعاقب عليه يوم القيامة، لكن بالعتاب، لا بالعذاب، وهذا قول ابن جريج٢، والربيع بن أنس٣، وطائفة، ونسب ذلك إلى ابن عباس أيضًا، واستدلوا بحديث النجوى الماضي شرحه في باب ستر المؤمن على نفسه من كتاب الأدب، واستثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية ما يقع في الحرم المكي، ولو لم يصمم، لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ
_________
١ رواه أحمد في المسند "٢/ ٢٥٥و٣٩٣". والبخاري رقم "٢٥٢٨"في العتق، وأبو داود رقم "٢٢٩" والترمذي رقم "١١٨٣". وابن ماجه رقم "٢٠٤٤". وابن حبان رقم "٤٣٣٤" من حديث أبي هريرة ﵁.
٢ ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الإمام، العلامة، الحافظ، شيخ الحرم أبو خالد، صاحب التصانيف، أول من دون العلم بمكة، حدث عنه عطاء بن أبي رباح فأكثر، كان صاحب تعبد، وتهجد، توفي سنة "١٥٠"هـ.
٣ الربيع بن أنس بن زياد البكري، الخراساني، المروزي، بصري، سمع أنس بن مالك وأبا العالية الرياحي، وأكثر عنه، توفي سنة "١٣٩" هـ.
1 / 28