Ittihaf Abna Casr
إتحاف أبناء العصر بتاريخ ملوك مصر
Genres
صلى الله عليه وسلم ، وكان قبل جمعه في المصاحف في صدور الناس، وفي أيامه فتحت مدينة بصرة ودخل محافظها المدعو رومانوس في دين الإسلام؛ حيث إنه هو السبب في استيلاء العرب على هذه المدينة تحت قيادة خالد. ولما فتح المسلمون مدينة بصرة قصدوا عقب ذلك دمشق فحاصروها، فأرسل هرقل إليها جيشا تحت قيادة وردان أوباهان، فلما علم المسلمون بذلك كفوا عن الحصار وساروا لقتال الروم، فقتل عدد عظيم من جيوش الروم، فولوا الأدبار، وهذه هي المعروفة بوقعة أجنادين، وذلك سنة 633م الموافقة لسنة 12ه. ثم عادوا لحصار مدينة دمشق، وحصلت جملة مناوشات بين العرب والروم الذين كانوا قد تجمعوا تحت رياسة توما صهر الإمبراطور هرقل، فكانت النصرة فيها للإسلام، وأخيرا فتحها أبو عبيدة عامر بن الجراح صلحا. وفي سنة 13م مات خليفة رسول الله رضي الله عنه وعمره 63 سنة، ودفن بجوار الرسول
صلى الله عليه وسلم . (3-2) خلافة عمر بن الخطاب 634-644م
بويع بالخلافة بعد وفاة أبي بكر الصديق بوصية منه، وهو أول من تلقب بأمير المؤمنين، وبينما كان خالد مقيما في دمشق؛ إذ بلغه الخبر بوفاة أبي بكر وجلوس عمر رضي الله عنه، وهو العدو الأكبر له، وبلغه أيضا عزله من منصب قيادة الجنود فامتثل للعزل ولم يظهر غضبا ولا ضجرا، واستمر يحارب تحت أوامر أبي عبيدة عامر بن الجراح، وفتحت حمص وحماة. وتوجهوا بأمر أمير المؤمنين عمر لفتح أنطاكية فصاروا محازين لشاطئ نهر العاص، وبينما هم مشتغلون بفتحها؛ إذ بلغهم خبر التجريدات الحربية التي جهزها لهم «هرقل»، وأن هذه التجريدات انقسمت إلى فرقتين؛ إحداهما سافرت إلى أنطاكية لتوقف سير العدو إليها، والأخرى آتية من إقليم فلسطين؛ لتحمل على المسلمين من خلفهم، وذلك سنة 635 من الميلاد الموافقة لسنة 14 هجرية، فرجعوا إلى ناحية نهر الأردن ليمنعوا الجيش المقبل من فلسطين من أن يمر إلى جهة أنطاكية، وكان «قسطنطين بن هرقل» يقوده بنفسه، فذهب إلى مدينة قيصرية واكتفى بتفريق كتائبه على المدن البحرية من غزة إلى طرابلس الشام، وكان أبو عبيدة وخالد بعساكر الإسلام على شواطئ نهر اليرموك (نهير منبعه من جبل هرمون ويصب في بحيرة طبرية)، وكان الجيش الرومي يقدمه عرب غسان تحت قيادة رئيسهم جبلة بن الأيهم، فانتصر المسلمون على هؤلاء الأقوام وسميت هذه الواقعة بواقعة اليرموك، وفي هذه السنة أمر الخليفة ببناء البصرة، وبعد ذلك سلم أبو عبيدة قيادة الجيوش إلى خالد، فاستمرت الحروب بين الجمعين أياما، وغلبت الروم فيها المسلمين ثلاث مرات، ثم آل الأمر بنصر المسلمين على جيش المشركين. وكان ثمر هذه النصرة انقياد أهل غسان ودخولهم في دين الإسلام، أما رئيسهم جبلة بن الأيهم ففر هاربا إلى القسطنطينية، ولم تزل ذريته فيها إلى أن هربوا منها في القرن الخامس عشر بعد الميلاد العيسوي إلى جبال بلاد الجركس فرارا من حكم الملوك العثمانيين.
وفي سنة 15 من الهجرة حاصر عمرو بن العاص مدينة القدس «المسماة قديما إيليا» التي كان البطرق سوفرونيوس يحامي عنها بغاية عزمه وجهده، وكان فتح هذه المدينة من أعظم الأهميات عند الإسلام، فقدم أبو عبيدة وأحدق بها بجيوشه وشدد عليها في الحصار حتى أشرف أهلها على الهلاك، فارتضى «سوفرونيوس» أن يسلمها للمسلمين بشرط أن يعقد المشارطة مع الخليفة نفسه، فأجابه عمر بن الخطاب لما طلبه، واستخلف عليا على المدينة، ولم يمنعه عن السفر تخويف سيدنا عثمان ومنعه إياه، فسار إلى مدينة القدس وبايعهم على أن يبقوا على دينهم، وأن لا يتعدى مسلم على كنيسة من كنائسهم، ولم يلزمهم إلا بدفع الجزية، وقد بحث عن موضع الهيكل الذي بناه نبي الله سليمان عليه السلام وهو المسجد الأقصى وبنى محله مسجدا عظيما سمي بمسجد عمر، ولما فرغ من بنائه عاد إلى المدينة المنورة ومعه عمرو بن العاص، وكان أعده لفتح وادي مصر، وذلك سنة 637م؛ أعني سنة 16ه.
ولما بلغ سيدنا عمر فتح مدينة الرملة فرح بنصر الله ورضي عن خالد، وأعاد إليه الإمارة على المجاهدين، فسار إلى حلب وأنطاكية وفتحهما وطرابلس ويافا وجملة بلاد من الشام، فلما أيس هرقل من الشام رحل إلى مدينة القسطنطينية، وفي هذه السنة وضع عمر الدواوين وفرض العطاء للمسلمين، وقد حصلت وقعة بين المسلمين والفرس الذين كانوا تحت قيادة رستم وقائد المسلمين سعد بن أبي وقاص انتهت بهزيمة العجم وقتل رستم المذكور، وذلك سنة 15ه.
وفي سنة 16ه عبر سعد ومن معه نهر الدجلة، وهرب الفرس من المدائن، وكان كسرى يزدجرد قد قدم عياله إلى حلوان (من أعمال فارس) وخرج هو ومن معه بما قدروا عليه، فدخل المسلمون المدائن وقتلوا كل من وجدوه، ونزل سعد بالقصر الأبيض، واتخذ إيوان كسرى مصلى، واحتاط على أموال تخرج عن الإحصاء وأدركوا بغلا وقع في الماء عليه تاج كسرى ودرعه وغير ذلك مكللا بالجواهر، واستوهب سعد ما يخص أصحابه من بساط كسرى؛ حيث كان على هيئة روضة فيها الزهور بالجواهر على قضبان الذهب، وبعث به إلى عمر فقسمه بين المسلمين، وأقام سعد بالمدائن «بالقرب من كتيسيفون القديمة»، وحصلت بينه وبين الأعجام وقعة فقتل عدد عظيم من الفرس، وفر يزدجرد من حلوان فقصدها المسلمون، ثم فتحوا تكريت وقرقيسيا، وفيها قدم جبلة بن الأيهم على عمر وحج معه، ثم هرب إلى القسطنطينية وتنصر بعد إسلامه. وفي سنة 17ه اختطت الكوفة وتحول سعد إليها، وفي سنة 18ه كان طاعون عمواس الذي مات فيه أبو عبيدة رضي الله تعالى عنه، وأما خالد فإنه نجا من هذا الطاعون؛ لكونه غضب عليه أمير المؤمنين عمر وعزله ثانيا لما أوشي في حقه، واستخلف أبو عبيدة معاذ بن جبل فمات بالطاعون فاستخلف عمرو بن العاص، ثم بعد ذلك أمر الخليفة عمرو بن العاص بفتح مصر، فتوجه إليها هو والزبير بن العوام وفتحوها «كما سيأتي»، وكان استخلف يزيد بن أبي سفيان ثم معاوية فمكث واليا وخليفة مدة أربعين سنة، وفي سنة 21ه وقعت نهاوند مع الأعجام تمت بهزيمتهم، وفتح المسلمون مدينة أصفهان وهمذان وطبرستان وأزربيجان، وتوفي خالد بن الوليد في هذه السنة ودفن، قيل بحمص وقيل بالمدينة. وفي آخر سنة 23ه توفي عمر بن الخطاب بطعنة ابن أبي لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة، وعمره 63 سنة، ودفن بجوار النبي
صلى الله عليه وسلم . (3-3) خلافة عثمان بن عفان 644-655م
وفي سنة 24ه الموافقة لسنة 644م عقب موت عمر اجتمع أهل الشورى وهم علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وشرط عمر أن يكون ابنه عبد الله شريكا في الرأي ولا يكون له حظ في الخلافة ، وجعل المدة ثلاثة أيام، وقال: «لا يمض اليوم الرابع إلا ولكم أمير، وإن اختلفتم فكونوا مع فريق عبد الرحمن بن عوف»، فوقع الانتخاب على سيدنا عثمان رضي الله عنه، فبويع بالخلافة، ولما تولى الخلافة عزل المغيرة عن الكوفة وولى سعد بن أبي وقاص، ثم عزله وولى مكانه عبد الله بن أبي سرح، وفي مدته امتدت فتوحات العرب إلى بلاد المغرب وصحراء ليبيا وسواحل بلاد الروم وجزيرة قبرص، وفي سنة 30 من الهجرة بلغ الخليفة اختلاف أهل الشام والعراق في القرآن، فأمر الخليفة الصحابة بنسخ جملة مصاحف من المصحف الذي كتب زمن أبي بكر وأودع عند حفصة رضي الله عنها، وتولى نسخها زيد بن ثابت وعبد الله الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث، وقال عثمان: «إذا اختلفتم في كلمة فاكتبوها بلسان قريش؛ لأن القرآن نزل بلسانهم.» وفي هذه السنة سقط خاتم الرسول من يد عثمان في بئر «أريس»، وفي سنة 31 هلك كسرى يزدجرد آخر ملوك العجم، قيل قتله أهل مرو - من أعمال فارس، وقيل قتله الترك وقتلوا أصحابه، وفيها عصت خراسان ففتحها ثانيا، ومات أبو سفيان بن حرب.
وفي سنة 33ه تكلم جماعة أن عثمان ولى من أهل بيته أناسا لا يصلحون للولاية، فكتب سعيد بن العاص والي الكوفة إليه بذلك، فأمره عثمان أن يسير الذين تكلموا بذلك إلى معاوية بالشام فأرسلهم، فقدموا على معاوية وجرى بينهم كلام كثير، وحذرهم الفتنة فوثبوا وأخذوا بلحيته ورأسه، وكتب بذلك إلى عثمان، فكتب إليه يردهم إلى سعيد بن العاص فردهم، وأطلقوا ألسنتهم في عثمان، واجتمع إليهم أهل الكوفة، وفي سنة 34ه قدم سعيد إلى عثمان وأخبره بما فعله أهل الكوفة وأنهم يختارون أبا موسى الأشعري، فولى عثمان أبا موسى الكوفة، فخطبهم أبو موسى وأمرهم بطاعة عثمان فأجابوه لذلك. وفي سنة 35 قدمت جموع الأمصار من مصر والكوفة والبصرة، وكانت رغبة المصريين مع علي، ورغبة الكوفيين مع الزبير، وميل البصريين إلى طلحة، فدخلوا المدينة وأثاروا على عثمان يوم الجمعة وهو على المنبر، ودافع جماعة من المدينة عنه منهم سعد بن أبي وقاص والحسن بن علي وزيد بن ثابت وأبو هريرة، فأرسل عثمان يعزم عليهم بالانصراف، وطلبوا منه عزل عبد الله بن أبي سرح عن مصر ومروان بن الحكم عن كتابته فأجابهم لذلك، ومكثت الجموع في المسجد ثلاثين يوما، ثم منعوه من الصلاة، ولزم أهل المدينة بيوتهم وعثمان محصور في داره أربعين يوما وقيل خمسين، ثم اتفق علي مع عثمان على ما طلبه الناس منه من عزل مروان عن كتابته وعبد الله بن أبي سرح عن مصر فأجاب عن الثانية دون الأولى، وولى محمد بن أبي بكر مصر، وتوجه المذكور مع مهاجرين وأنصار، فبينما هم في الطريق وإذا بعبد علي هجين يجهد فقالوا له: «إلى أين؟» قال: «إلى العامل بمصر.» قالوا: «هذا هو العامل.» يعنون بذلك محمد بن أبي بكر. قال: «بل العامل الآخر» يعني ابن أبي سرح. ففتشوه فوجدوا معه كتابا مختوما بختم عثمان يقول:
إذا جاءك محمد بن أبي بكر ومن معه بأنك معزول فلا تقبل واحتل لقتلهم وأبطل كتابهم.
Unknown page