لقد هبت ريح الانس، من سمت القدس، فأتتنى بصحيفة منيفة كأنها بفيوضها بروق العقل بوموضها، وكأنها بمطاويها، أطباق الافلاك بدراريها، وكأن أرقامها باحكامها، أطباق الملك والملكوت بنظامها، وكأن ألفاضها برطوباتها، أنهار العلوم بعذوباتها، وكأن معانيها بأفواجها، بحار الحق بأمواجها.
وأيم الله إن طباعها من تنعيم، وإن مزاجها من تسنيم، وإن نسيمها لمن جنان الومضوت، وإن رحيقها لمن دنان الملكوت، فاستقبلتها القوى الروحية، و برزت إليها القوة العقلية، ومدت إليها قطنة صوامع السر أعناقها من كوى الحواس وروازن المدارك وشبابيك المشاعر، وكادت حمامة النفس تطير من وكرها شعفا واهتزازا، وتستطار إلى عالمها شوقا وهزازا، ولعمري قد ترويت، ولكني لفرط ظمائى ما ارتويت:
شربت الحب كأسا بعد كأس * فما نفد الشراب ولا رويت فلا زالت مراحمكم الجلية، مدركة للطالبين، بأضواء الاعطاف العلية، و مروية للظامئين بجرع الاعطاف الخفية والجلية.
ثم إن صورة مراتب الشوق والاخلاص التى هي وراء ما يتناهى بما لا يتناهى، أظنها هي المنطبعة كما هي عليها، في خاطركم الاقدس الانور الذى هو لاسرار عوالم الوجود كمرآة مجلوة، ولغوامض أفانين العلوم ومعضلاتها كمصفاة مطحوة.
وإنكم لانتم بمزيد فضلكم المؤملون لامرار المخلص على حواشى الضمير، المقدس المستنير، عند صوالح الدعوات السانحات في مئنة الاستجابة، ومظنة الاجابة بسط الله ظلالكم، وخلد مجدكم وجلالكم، والسلام على جنابكم الا رفع الابهى، وعلى من يلوذ ببابكم الا رفع الاسمى، ويعكف بفنائكم الاوسع الاسنى، ورحمة الله وبركاته أبدا سرمدا.
Page 7