197

والوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان بلغ في علوم النجوم المبلغ الذي كانت له هذه الأمارات من أجلها - مع استحالة ذلك - لوجب أن يظهر اشتغاله بها ، وصرف العناية إليها ، وأخذها عن أهلها . ولم يكن للعرب اختصاص بهذا الجنس من العلم ، ولم يعرف أحد منهم به ، ولم يكن يجوز أن يخفى عليهم .

ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مولده ومنشؤه في أقوام لم يتعاطوا هذا العلم ، ومسافرته إلى الشام قبل البعثة كانت مع قومه ، وكانت أياما قليلة . فبان بما بيناه أنه لم يكن من أهل هذه الصنعة .

على [أن] المتعاطي لهذه الصنعة إذا بلغ مبلغ المتوسطين منها ، فلا بد له من مدارسة أهله ، والنظر في كتبهم ، بل لا بد له من آلات يعرف بها الطوالع التي يبني عليها الاحكام . فكيف من بلغ الغاية ؟! وإذ قد علمنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعاط شيئا من ذلك ، ولم يشتغل به ، ولم يعرف شيئا منه ، فقد بطل قول من قال: إن ما أتاه عليه السلام أتاه من طريق النجوم .

وأيضا بمثل ما عرفنا أن الفرزدق وجريرا لم يكونا فقيهين ولا متكلمين ، وأن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا لم يكونوا شعراء ، وأن سيبويه لم يكن متكلما ، وأن أبا الهذيل لم يكن متطببا ، وأن الشافعي لم يكن متفلسفا . نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن منجما .

فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرى ذلك في المنام ، وكان قد عرف من نفسه أنه صحيح الرؤيا ، فكان يخبر بما يرى ، تعويلا على ما عرف من نفسه ؟!

Page 251