فج عميق، يعجون بالتكبير عجيجا، ويضجون بالتلبية ضجيجا، وينتحبون بالبكاء نحيبا، فمن اعتمده لا يريد غيره فقد زارنى ووفد إلى ونزل بى، ومن نزل بى فحقيق على أن ألحقه بكرامتى، وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته، تعمره أنت يا آدم ما كنت حيا، ثم تعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء أمة بعد أمة، وقرنا بعد قرن، ونبى بعد نبى؛ حتى ينتهى ذلك إلى نبى من ولدك وهو خاتم النبيين، فأجعله من عماره وسكانه وحماته وولاته وسقاته، يكون أمينى عليه؛ ما كان حيا، فإذا انقلب إلى وجدنى قد دخرت له من أجره وفضيلته ما يمكن القربى منى والوسيلة إلى، وأفضل المنازل فى دار المقام.
وأجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وثناءه ومكرمته لنبى من ولدك يكون فيها من قبل هذا النبى وهو أبوه، يقال له: إبراهيم، أرفع له قواعده، وأقضى على يديه عمارته، وأنيط له سقايته، وأريه حله وحرمه وموقفه، وأعلمه مشاعره ومناسكه، وأجعله أمة واحدا قانتا لى، قائما بأمرى داعيا إلى سبيلى، أجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم، ابتليه فيصبر، وأعافيه فيشكر، وينذر لى فيفى، ويعدنى فينجز، وأستجيب له فى ولده وذريته من بعده، وأشفعه فيهم؛ فأجعل لهم ذلك البيت، وولاته وحماته وسقاته وخدامه وخزانه وحجابه؛ حتى يبتدعوا ويغيروا؛ فإذا فعلوا ذلك: فأنا الله أقدر القادرين على أن أستبدل من أشاء بمن أشاء؛ أجعل إبراهيم إمام ذلك البيت، وأهل تلك الشريعة؛ يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الإنس والجن، يطأون فيها آثاره، ويتبعون فيها سنته، ويقتدون فيها بهديه. فمن فعل ذلك منهم: أوفى بنذره، واستكمل نسكه، ومن لم يفعل ذلك منهم: ضيع نسكه، وأخطأ بغيته. فمن سأل عنى يومئذ فى تلك المواطن أين أنا، فأنا مع الشعث الغبر الموفين بنذورهم، المستكملين مناسكهم، المبتهلين إلى ربهم الذى يعلم ما يبدون وما يكتمون، وليس هذا الخلق ولا هذا الأمر الذى قصصت عليك شأنه يا آدم بزائد فى ملكى وعظمتى ولا سلطانى ولا شىء مما عندى؛ إلا كما زادت قطرة من رشاش وقعت فى سبعة أبحر تمدها من بعدها سبعة أبحر، لا يحصى بل القطرة أزيد فى البحر من هذا الأمر فى شىء مما
Page 90