ربهم، وأنه قد غضب من قولهم، فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون إشفاقا لغضبه عليهم، فطافوا بالعرش ثلاث ساعات، فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم، فوضع الله تعالى تحت العرش بيتا على أربعة أساطين من زبرجد، وغشاهن بياقوته حمراء وسمى هذا البيت الضراح، ثم قال الله تعالى للملائكة: طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش، قال: فطافت الملائكة وتركوا العرش وصار أهون عليهم، وهو البيت المعمور الذى ذكره الله تعالى فى القرآن المجيد، يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا، ثم إن الله سبحانه وتعالى بعث ملائكة وقال لهم: ابنوا لى بيتا فى الأرض بمثاله وبقدره، فأمر الله تعالى من فى الأرض من خلقه أن يطوفوا بهذا البيت كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور، فقال الرجل: صدقت يا ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هكذا كان وجدته فى التوراة والإنجيل (1).
واعلم أن الله تعالى لم يذكر وجه الحكمة فى هذه الآية على التفصيل فى تخليق الإنسان ولم يزد على قوله: إني أعلم ما لا تعلمون (2) وللعلماء فى هذا المقام طريقان:
الأول: الطريقة الإجمالية التى ذكرها الله فى هذه الآية وتقريرها: أنه تعالى قادر على جميع المقدورات منزه عن جميع الحاجات عالم بكل المعلومات. وإذا كان الأمر كذلك كان لا محالة عالما بأنه ما الذى ينبغى فعله، وما الذى ينبغى تركه، وكان عالما لا محالة بكونه غنيا عن كل ما لا ينبغى، ومن كان غنيا عما لا ينبغى كان عالما بكونه غنيا عما لا ينبغى امتنع إقدامه على فعل ما لا ينبغى، وإذا كان الأمر كذلك ثبت أن كل ما يفعله الله تعالى حكمة وصواب، وأنه منزه عن فعل العبث كما قال تعالى: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا (3) ومنزه عن فعل اللعب، كما قال: وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين (4) ومنزه عن الباطل
Page 77