العلماء ومن هو حجة منهم على غيرهم
لا حجة للمخلوق على خالقه في وجه من الوجوه ، ولو كان في سابق علم الله أن يعذب من عصاه ، وعلم أنه يعصيه بغير حجة يقيمها عليه ، ما كان ذلك في حكمه ظلما ولا جورا ، بل كان في ذلك عادلا ، ولكن الله - تبارك وتعالى -شاء أن يتعبد بمعرفة وحجة يقيمها على عباده ، بما يعلمون أنه من الحجج التي ينكرونها من بعضهم بعض ، ولا يأتي بها بعضهم لبعض من ذات أنفسهم ، إلا بأمر من قبل الله ، وهداية من قبل الله ، والعالم على أهل زمانه لله -تبارك وتعالى - حجة وشاهد عليهم ، كما كانت الأنبياء والرسل حجة لله على عباده ، بما أقام عليهم الحجة من معرفة حججه وواضحات براهينه ، التي ألهمها العالم منهم دون غيره من العامة ، على نحو ما أقام عليهم الحجة بالدلائل والآيات التي آتاها الرسل ، وإن كان العالم لا يؤتى المعجزات فإنه يختص من الله بعظيم الهبات ، ويظهر له من لسانه ما يخالف به غيره من العامة ، من الواضحات والبراهين والبينات ، التي تشابه في زمانه ومع أهل زمانه معجزات الأنبياء والرسل - صلوات الله عليهم - فيكون في المصر من الأمصار العظام الكبار ، رجل أو رجلان قد انطلقت الألسن فيهما ، بما قد فاقا به غيرهما ومدت الأعين بالإجماع إليهما ، وانفتحت القلوب لهما ، لما قد ظهر منهما من مخالفتهما لغيرهما من العلم والفضل والصدق والعدل ، حتى لا يقدر العالم أن يدفع ذلك عن نفسه ، ولو أنكر ذلك ونفاه عن نفسه
Page 53