-69- الناس معهم في أحكام الحق بالعدل والقسط مستوين ، لا فرق بينهم مثل أسنان المشط ، ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا من ذلك ولا تأثيما ، ولا نكيرا عن ذلك لأنفسهم ولا تعظيما ، وحتى يرضوا في جميع ذلك ويسلموا تسليما ، بل قلوبهم في غفلة هذا و غمرات ، وشغل عن هذا و سكرات ، وعلى قلوبهم من هذا أقفال محكمات ، وأمواج متلاطمات ، وظلمات مدلهمات ، إذا أخرج أحدهم يده لم يكد يراها ، فلا يبصر لنفسه ضلالها من هداها ، ولا بصيرتها من عمالها ولهم أعمال من دون ذلك بضده هم لها عاملون ، وأقوال غير هذا بضده لها قائلون ، ولله الحجة البالغة التامة ، والنعمة السابغة العامة ، فمن ضل فعليه لله الحجة القائمة ، ومن اهتدى فلا منة له ولا سبيل عليه ولا لائمة ، ولا نعلم على ضعفاء المسلمين أدهى مضرة في دينهم من هذه الفتنة ، ولا أشد آفة عليهم في دينهم من هذه المحنة ، ولا أعظم رزية عليهم في دينهم من هذه البدعة ، ولا أقبح عاقبة لهم وتنافي ذات الدين من هذه الشنعة ، إذا أصبحت آثار الحق بينهم ميتة دريسة ، وأحوال المتسمين بالعدل بزعمهم قبيحة خسيسة، إذا جاءهم ملهوف ضعيف يسأل عن الدين أضلوه ، وإن سمعوا بمستبصر ضعيف من المتمسكين ، احتالوا عليه بتلبيسهم وأذلوه . وإن رأوا مستعفا عن المحارم ولسبيل الخيرات ملازما ، وبأمور دينه قائما ، تجمعوا عليه وأرسلوا شياطينهم إليه ، فاظهروا له ضد النصائح ، وأوقفوه على ما هم عليه من تلك الفضائح ، وقلبوا له في ذلك عجائب الأمور ، ومنوه من الله على ذلك عظيم الأجور ، وأوجبوا عليه في مخالفة ذلك الفسق والفجور ، فإن عصمه الله عن فتنتهم ، وبصره ضلال بدعتهم فانكمش عنهم ومضى ، وولى عن بدعتهم معرضا ، ولو لم يرد شيئا من أقوالهم ، إذ لم يضره مع الهداية شيء من أفعالهم ، تركهم في تندم وحسرات ، وتلهف إذ فاتهم وعبرات ، وأظهروا عليه فنون القذف بالمكفرات ، وقالوا هذا من المرجئة والشكاك ، وأكثروا فيه من قيل وقال ، وذاك و ذاك ، من غير أن يظهروا عليه قولا ،ولا يضينوا إليه فعلا ، إلا افتراء
Page 70