-60- حلقي في الماء ، حتى لقيت البحر يعني ابن عباس فيما قيل ، فقيل إنه خرج ذات يوم على أصحابه يتكىء على عكاز ، ابن سبعين سنة ، فقالوا له أو قيل له : أين تمضي يا أبا الشعثاء ؟ قال : أتعلم ديني ، ولم يقل أتعلم العلم ، فيخرج أنه يتعلم العلم ، وقد يكون من العلم ما يكون من الرأي فلا يسمى دينا ، ولكنه قال : أتعلم ديني ، وهذا ما لا ينكره أهل العقول ، وإنما المنكر على من قال إنه قد أحاط بعلم دينه ، أو تعلم العلم ، أو أحاط أو ظن ذلك في نفسه .
وقد قيل في الحكمة - وهو صحيح - : إنه من جهلك أن ترى في نفسك عالما ، ومن علمك أن ترى في نفسك جاهلا ، ولولا أنه كذلك ما كان كذلك قول جابر بن زيد - رحمه الله - ، والعالم يرى نفسه أنه جاهل ويخاف أنه جاهل ، والجاهل يرى نفسه عالما ويظن أنه عالم ، ومن أبصر العلم وسعته وكثرته واختلافه ، لم يجز في عقله إلا أنه جاهل عن الإحاطة باكثر العلم ، ويخاف على نفسه الهلاك بجهله بأمر دينه ، إن لم يهده الله ويرشده ويوفقه للعلم ويسدده ، وهذا ما لا شك فيه مع أهل العلم والفهم ، وإذا كان العالم مشهورا له صحة العلم بالفن الواحد ، من فنون العلم في أصول الدين ، وغيره من العلماء متظاهر له العلم في فنون من العلم غير فن هذا ، ومتظاهر له أيضا العلم بهذا الفن الذي قد صح معه لهذا العالم ، أنه عالم به وأنه ذو فن فيه ، فقد جاء الأثر والخبر أن ذا الفن أعلم من في الفنين ،وذو الفنين أعلم من ذي الثلاثة فنون ، وكذلك ما زاد إلى ما لا يحصى من الفنون ، إلى أن يكون جامعا لظواهر فنون العلم ، المعروفة المشهورة في الدين ، حتى يتظاهر له اسم العلم والفقه بجميع الفنون ، التي تنسب وتضاف إلى العلماء ، من علم ما يسع جهله وما لا يسع جهله ، والولاية والبراءة والأحكام والأقسام والدماء والفروج ، حتى يظهر له أنه ناقد في جميع ما احتج إليه فيه ، وهو موجود عنده من فنون العلم ، جميع ما سئل عنه ، وإن كان لا يحصي العلم إلا الله ، ولكن يظهر له الشواهد من لسانه ، أنه يبصر فنون العلم الظاهرة ،
Page 61