يرجع إلى الشك بعد اليقين ، وإلى الجهل بعد العلم المبين ، هذا ما لا يجوز ولا يختلف فيه أحد من العالمين من المسلمين ولا غيرهم من المبتدعين ، وقد أجمع جميع الأمة بأسرها ، لا نعلم بينهم اختلافا أن بلوغ الحجة إليه ، وقيامها عليه علمه بها ، وأجمعوا أنه ليس بعد أن يعلم الحق بأي وجه كان ، أن له بعد ذلك شك في علمه ، وهذا ما يخرج أيضا من حجة العقل .
وقد يكون العالم مشهور العلم في فن من فنون العلم بالدين ، متظاهرا له في ذلك صحة العلم وغيره ، مشهور العلم في غير ذلك من الفنون ، وكلاهما في الفضل و الصدق والأمانة سواء ، ويكون هذا حجة في الفتيا فيما يسمع جهله ، في ذلك الفن الذي هو فيه عالم ، ولا يكون حجة فيما يسع جهله فيما لم تصح له فيه شهرة العلم ، ويكون الآخر حجة فيما صح له من شهرة العلم ، في ذلك الفن الذي صح له العلم فيه ، على هذا العالم وعلى غيره من العامة ، فيما يسع جهله من الدين ، ولو ظهر لهذا العالم العلم في فنون كثيرة من العلم والفقه ، وصح علمه في ذلك بالشهرة ، إلا أنه لم يشهر له في فن من الفنون ، من أصول الدين علم شاهر ، وشهر لغيره في ذلك الفن ، الذي لم يشهر له فيه علم أنه عالم به ، وشهر له في ذلك ، فإنه يكون حجة في ذلك الفن من العلم في الدين ، على هذا العالم الذي قد صح له العلم ، في فنون عدة ، ولم يصح لهذا العالم العلم إلا في الفن الواحد من الفرائض والمواريث ، أو الولاية والبراءة أو ما يسع جهله أو ما لا يسع جهله ، أو البيوع والربا ، أو ما أشبه هذا من الأصول والفنون ، وكل عالم في فن فهو حجة فيه على غيره من العلماء ، بغيره من الفنون ، وعلى العامة ممن عرف علمه بذلك ، أو صحت معه منزلته ، وقد مضى صفة المنازل من العلماء .
ومن المحال أن يأتي العالم على جميع الأصول في الدين فيكون محكما لجميع الدين والعلم في الدين ، وقد قيل عن أبي الشعثاء جابر بن زيد - رحمه الله -أنه قال : لقيت سبعين عالما من علماء بدر ، فتعلمت معهم حتى حطوا
Page 60