-52- وقد يشهر للتاجر الاسم بتجارته في البلد من البلدان ، ومع أهل بلده دون غيره من البلدان ، فيكون ذلك التاجر معروفا عندهم بالتجارة ، وأنه يوجد عنده من فنون التجارة ما لا يوجد من غيره من أهل البلد الذي هو فيه ، ولا ينكر ذلك أهل العقول ، ولا تشك فيه القلوب .
ومنازل التجارة مختلفة في قلوب الناس .
كذلك قد يشهر في كل بللا من البلدان أحسن صناعهم في البلد صناعة ، وأحكمهم عملا ، فيكون في البلد واحد من النساج ، مجمع على عمله بالرضا ، أو مجمع على عمله بالرداءة ، وسائرهم كذلك كل واحد قد نزل بمنزلة ، قد كادت لا تخفى على جميع أهل بلده إلا ما شاء الله ، وكذلك الأطباء والحجامون وسائر الصناع ، قد يوجد الطبيب قد شهر له اسم في المصر كله ، والعلة في الأمصار غير مصره الذي هو فيه ، ويوجد مع هذه الشهرة في التجارة والأطباء والصناع شاهدا مع كل منهم من شهوة اسمه في تجارته وصناعته ، وإن اختلفت أسماؤهم ومنازلهم وكثرت فلا تجد أكثرهم إلا وقد شهر عليه مع ما شهر له من اسم تجارته وصناعته حسن الثناء عليه من ذلك ، أو قبح الثناء عليه ، وحتى نكاد أن نقف على جميع أموره ، في صدقه في تجارته أو كذبه ، وأمانته أو خيانته ، وبره من فجوره ، فقد قامت في العقول شواهد ما يوجد عنده من التجارات والصناعات وقضاء الحوائج ، من فن أو فنون منها ، وحسن الثناء عليه أو سوء الثناء ، واللهم فيه والأمانة والخيانة . ولا يشهر اسم تخلفه في شيء من الأمور التي يحتاج إليها الناس ، وتمد إليه الأعين وتطبق فيه الألسن ، إلا وانكشف حاله مع ذلك فيما قد نزل به من المنازل ، من أمانة أو خيانة أو تهمة ، ولا يكون غير هذا ، وإنما تجهل حالة المجهول الذي لا يحتاج إليه ، فلا تنطبق الألسن له ولا عليه ، هذا ما لا ينكر من أمور الناس وأحوالهم .
والناس في جميع الأمور باجمعهم ، على أربعة أحوال وأربع منازل ممن
Page 55