-203- الجملة الي امتحن بها ، ونزلت بليته بها ، لم يسعه إلا العلم لها ولمعانيها ، ولم يكن في حين ما كلف العمل بذلك الشيء من طاعة الله ، الذي قد وجب عليه في وقته ذلك ، مكلفا لعلم الجملة ولا لتفسير الجملة ، إذا لم يمتحن بعد بذلك ، ولا بلغ إليه حكم التكليف له ، وحكم التكليف له حده أن يخطر ذلك بباله ، أو يسمع بذكره أو يدعى إليه أو يراه في كتاب مرسوم ، أو يبلغه ذكر ذلك بحال مفهوم ، فإذا كان ذلك في الجملة أو في شيء منها ، فذلك حد الكلفة له بذلك ، وقد كان قبل ذلك معذورا عن التعبد بذلك ، ولو احتلم قبل ذلك بأي حال من ساعة أو يوم أو شهر أو سنة أو سنين ، فما لم يخطر بباله ذكر ذلك أو سمع بذكره أو يدعى إليه أو يبلغ إليه ذكر ذلك بوجه من الوجوه ، فهو معذور بدلك ، لأن الله لا يكلفه شيئا من دينه إلا بما هو معقول أو مسموع أو منظور ، فإذا نظر أو ذكر ذلك أو سمعه أو خطر بباله ذلك ، وبه عقل سالم من الآفات والعاهات المزيلات لثبوت عقله الذي تعبد به ، وجعل له حجة وعليه حجة ، فهناك يلزمه التعبد بعلم ذلك ، ومحال أن يكون علم بغير هذا أبدا ، لأن المنظورات معقولات والمسموعات معقولات ، والمحسوسات معقولات والمتوهمات معقولات ، وكل مسموع أو منظور أو مذكور فهو معقول ولا يعقل أبدا غير مسموع أو منظور أو مذكور أو خاطر أو محسوس أو متوهم ، وكل هؤلاء معقولات والمتوهمات ، فمن حكم الخاطرات ، ولا يصح معرفه الجملة ولا شيء منها من طريق غير هذا ، ومحال أن يكلف الله العبد في شيء من الأحوال ، أو على شيء من الأحوال فوق ما يطيقه ، فكما أن العبد لا يقدر على عقل المعقولات ألا يعقل الغرائز المخلوقات ، فكذلك لا يقدر على عقل المعقولات إلا بالأسباب المؤديات للمعقولات إلى عقل الغرائز المخلوقات ، فإذا عدم السمع زالت الكلفة عن العبد في علم المسموعات ، ولو وجد السمع ، لأنه لا يسمع السمع إلا بمسموعات ، ولا ينظر المنظور إلا بنظر ، ولا ينظر بالنظر إلا منظورات ، وكل المسموعات والمنظورات والمحسوسات والملموسات والمتوهمات فمعقولات ، وليس كل المعقولات منظورات
Page 204