-159- أخبره هذا بما يجوز له أن يخبره به ، ما لم يقصد بذلك الى كتمان ما أراد منه من المفسر ، لأن يلزم السائل بكتمانه ما لا يلزمه ، أو ما لا يعلم يلزمه أو لا يلزمه .
فان قال قائل : فلم يكون عليه أن يطيع من أمره فيما لا يلزمه أن يخرج فيه ، وقد أمره هذا بالخروج ، فقد كان له ألا يطيعه ؟
قلنا : فقد كان على هذا أيضا ألا يأمره بما لا يعلم أيلزم أو لا يلزم ، إلا على وجه المشورة المعروفة بالتخيير فيما يتشاور الناس فيه من المباحات في الخروج ، في أمر معايشهم والمباحات من خروجهم ، فيشير المشار عليه ، أو المعترض بالنصيحة للذي نصحه من فعل كذا وكذا ، مما لا يلزم عليه في الأغلب من الأمور ، في حال من الحال ، وإنما ذلك كله اختيار ، وأما المشورة والأمر بالخروج في السؤال ، فان السؤال نفسه لا يقع إلا في أمر الأديان ، واللازم من أمرها ، فلا يلزم الناس ما لا يلزمهم إذا كان على حال مما يقبل منه ذلك ، ويخرج بأمره ومناصحته في أمر الدين ، وكان ممن يقبل منه تلك النصيحة ، وإنما يتعارف أنه يقصد إلى الخروج بمناصحته وبقوله ، فاذا ألزم مايقع عليه الإجماع أنه ليس بلازم ، وهو ممن يقبل منه ذلك في الفتيا والمناصحة ، فلا براءة له من ذلك ، وهو بذلك مخطىء آثم ظالم ، ولا نامن عليه ضمان ما أتلف الخارج في ذلك الخروج ، الذي لا يلزمه في الأصل وهو حقيق بذلك .
وهذا أيضا من أعظم المحنة ، أن المسلمين يجتهدون للناس في كشف الكروب ، وستر الذنوب وتغطية العيوب ، وهؤلاء الملبسة يلبسون على الناس بالجهد منهم ، ويلزمونهم الأمر المخصوص في حال المعموم ، والمعموم في حال المخصوص ابتغاء الفتنة لهم ، والتضييق عليهم بغير علم ولا حجة ، نعوذ بالله من هذه الفتنة ومن هذه الضلالة .
Page 160