فلما كان الناس عند علي وأبي بكر على الطبقات التي نزلنا، والمراتب التي رتبنا، أشفق علي أن يظهر إرادة القيام بأمر الناس مخافة أن يتكلم متكلم أو يشغب شاغب، فدعاه النظر للدين إلى الكف عن الإظهار، والتجافي عن الأمر، فاغتفر المجهول ضنا بالدين، وإيثارا للآجلة على العاجلة.
فدل ذلك على رجاجة حلمه، وقلة حرصه، وسعة صدره، وشدة زهده، وفرط سماحته، وأصالة رأيه.
وعلم أن هلكتهم لا تقوم بإزاء صرف ما بين حاله وحال أبي بكر في مصلحتهم. وقد علم بعد ذلك أن مسيلمة قد أطبق عليه أهل اليمامة ومن حولها من أهل البادية، وهم القوم الذين لا يصطلى بنارهم، ولا يطمع في ضعفهم وقلة عددهم، فكان الصواب ما رآه علي من الكف عن تحريك الهرج، إذ أبصر أسباب الفتن شارعة، وشواكل الفساد بادية، ولو هرج القوم هرجة وحدثت بينهم فرقة، كان حرب بوارهم أغلب من الطمع في سلامتهم.
Page 213