والأجناد والبوابين كما أراد وأمر بعض الأنام أن يصطنع له من أطيب الطعام وجمع أهله وحشمه وأصحابه وخدمه ليأكلوا عنده وينالوا رفده، وجلس على سرير مملكته واتكأ على وسادته وقال يا نفس قد جمعت أنعم الدنيا بأسرها فالآن أفرغي لذلك وكلي هذه النعم مهنأة بالعمر الطويل، والحظ الجزيل، فلم يفرغ مما حدث نفسه حتى أتى رجل من ظاهر القصر عليه ثياب خلقة ومخلاته في عنقه معلقة على هيئة سائل يسأل الطعام فجاء وطرق حلقة الباب طرقة عظيمة هائلة بحيث تزلزل القصر وتزعزع السرير وخاف الغلمان ووثبوا إلى الباب وصاحوا بالطارق وقالوا يا ضيف ما هذا الحرص وسوء الأدب اصب إلى أن نأكل ونعطيك مما يفضل، فقال لهم قولوا لصاحبكم أن يخرج إليّ فلي إليه شغل مهم وأمر ملم فقالوا له تنح أيها الضيف من أنت حتى نأمر صاحبنا بالخروج إليك، فقال: أنتم عرِّفوه ما ذكرت لكم فلما عرَّفوه قال هلا نهرتموه وجرتم عليه وزجرتموه ثم طرق حلقة الباب أعظم من طرقته الأولى فنهضوا من أماكنهم بالعصي والسلاح وقصدوه ليحاربوه فصاح بهم صيحة وقال: ألزموا أماكنكم فأنا ملك الموت وطاشت حلومهم وارتعدت فرائضهم وبطلت عن الحركة جوارحهم فقال الملك قولوا له ليأخذ بدلًا مني وعوضًا عني فقال ما آخذ إلا روحك ولا أتيت إلا لأجلك لأفرق بينك وبين النعم التي جمعتها والأموال التي حويتها وخزنتها فتنفس الصعداء وقال لعن الله هذا المال الذي غرني وأبعدني ومنعني من عبادة ربي وكنت أظن أنه ينفعني فاليوم صار حسرتي وبلائي وخرجت صفر اليدين منه وبقي لأعدائي فأنطق الله تعالى المال حتى قال لأي سبب تلعنني العن نفسك فإن الله تعالى خلقني وإياك من تراب وجعلني في يدك لتتزود بي إلى آخرتك وتتصدق بي على الفقراء وتزكي بي على الضعفاء ولتعمر بي الربط والمساجد والجسور والقناطر لأكون عونًا لك في اليوم الآخر جمعتني وخزنتني وفي هواك أنفقتني ولم تشكر حقي بل كفرتني فالآن تركتني لأعدائك وأنت بحسرتك وبلائك فأي ذنب لي فتسبني وتلعنني، ثم إن ملك الموت قبض روحه قبل أكل الطعام فسقط على سريره صريع الحمام:
1 / 9