فهذه الأحاديث تنصُّ على أمر المأموم بالقراءة، وهي مؤكِّدة لعموم أحاديث إيجاب الفاتحة وغيرها مما تقدَّم. وهذه الأحاديث تعمُّ الصلاة السريَّة والجهريَّة.
ولهم أدلَّةٌ تنصُّ على الجهرية؛ فمنها قول الله ﵎: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤، ٢٠٥].
وسيأتي إن شاء الله تعالى تفسير الآيات مفصَّلًا، وفيه ــ نقلًا ــ عن ابن جرير (^١): "يقول تعالى ذكره: ﴿وَاذْكُرْ﴾ أيها المستمع المنصت للقرآن إذا قُرِئ في صلاة أو خطبة ﴿رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ ... وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ يقول: ودعاءٌ باللسان لله في خفاء لا جهار، يقول: ليكن ذكر الله عند استماعك القرآن؛ في دعاء ــ إن دعوت ــ غير جهار؛ ولكن في خفاء من القول".
وفي "روح المعاني" (^٢): "ويُشعر كلام ابن زيد أنَّ المراد بالجهر مقابل الذكر في النفس، والآية عنده خطاب للمأموم المأمور بالإنصات؛ أي: اذكر ربَّك أيها المنصت في نفسك، ولا تجهر بالذكر".
أقول: وعلى هذا يكون المراد بالإنصات ترك الجهر.