Ismacil Casim
إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب
Genres
وهكذا استطاع إسماعيل عاصم عن طريق أحاديث هدهد سبأ وعصفور الأدوار وآصف بن برخيا، أن يبث المواعظ والحكم في نفوس القراء من المصريين، معتمدا على النماذج النبوية وتاريخ الأديان، مقتبسا لها ما يعضدها من الآيات القرآنية، وقد أجاد في تنوع أسلوبه بين النثر والشعر، مبتعدا - بقدر الإمكان - عن الكلمات الشاذة والغريبة. فهذه المقامة تعد من مقامات المواعظ؛ حيث عالجت بعض القضايا الأزلية، مثل: الموت والحياة وصراع الإنسان بين الأرض والسماء، أو بين الدنيا الفانية والدار الباقية، وقد اتخذت عدة نماذج نبوية كأمثلة حية في نفوس المصريين، واستطاع المؤلف أن يدمج كل ذلك في أسلوب قصصي، الهدف منه تعليمي.
في المقالة
رابع فن أدبي مارسه إسماعيل عاصم، كان فن كتابة المقالات الأدبية، عن طريق المناظرة، وقد وجدنا إحدى هذه المناظرات منشورة بجريدة «الظاهر» عام 1904
1
وهي بين إسماعيل عاصم ومحمد أبو شادي
2
مدير ورئيس سياسة جريدة «الظاهر»، ويدور موضوعها حول: فقدان الخطابة من مصر.
ففي 18 / 6 / 1904 كتب أبو شادي مقالا تصدر الصفحة الأولى من جريدة «الظاهر»، تحت عنوان: فقدان الخطابة من مصر، وتحدث فيه عن أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر بعد القضاء على أحمد عرابي، ووصف الشعور الوطني عند المصريين إزاء هذا الاحتلال الأجنبي في ذلك الوقت، وتمنى عودة هذا الماضي الجميل قائلا: «فيا أيتها الأوقات التي تصرمت، هل لك أن تعودي وتعيدي لنا نهضتنا الأولى التي كانت تمثلنا في مصاف الأمم الشريفة المشرئبة إلى الحرية والاستقلال.»
ويؤكد هذا المعنى بتذكره لمواقف الرجال والطلبة في الماضي متحسرا عليها، آملا في دوامها قائلا: «فلو دامت تلك النهضة إلى الآن، ولو بقي رجالها على ما كانوا فيه من الحمية والتلهب غيرة وحماسا، لكنا الآن في غير هذا المركز الحرج الذي تتمالأ علينا فيه دول الغرب ونحن صامتون.»
ثم يتطرق بعد هذه المقدمات إلى الموضوع الأساسي قائلا: «كنا نعهد في تلك الآونة أن مصر ملأى بالخطباء المصقعين الذين تتدفق أشداقهم بسيل من البلاغة وترتطم شفاههم في زبد من الحماس. فأين ذهبوا وماذا فعل الدهر بمواهبهم؟ وهل فجعت مصر بهم أجمعين أم ضرب بينهم الخمول يجرانه فساكنوه وعاشوا تحت ظلاله هامدين؟ لم لا نسمع اليوم من جلبتهم اللذيذة ورنات أصواتهم العذبة الرخيمة إلا نغمة واحدة تتردد ما بين كل آونة وأخرى على فم خطيبنا الفرد سعادة مصطفى كامل باشا؟ أليس من العار على مصر - وقد امتلأت أصقاعها بأكثر من عشرة ملايين من الأنفس - ألا يكون لها من نابغي أبنائها سوى خطيب واحد؟!»
Unknown page