Islamic Criminal Legislation Compared to Secular Law
التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي
Publisher
دار الكاتب العربي
Publisher Location
بيروت
Genres
عند الله، ولا تبديل لكلمات الله، ولا لأىًّ من صنع الله الذي أتقن كل شئ خلقه، فليس ما يخلقه في حاجة إلى إتقان من بعد خلقه. فنحن إذن حين نقارن إنما نقارن بين أحدث الآراء والنظريات في القانون، وبين أقدمها في الشريعة، أو نحن نقارن بين الحديث القابل للتغيير والتبديل، وبين القديم المستعصي على التغيير والتبديل، وسنرى ونلمس من هذه المقارنة أن القديم الثابت خير من الحديث المتغير، وأن الشريعة على قدمها أجل من أن تقارن بالقوانين الوضعية الحديثة، وأن القوانين الوضعية بالرغم مما انطوت عليه من الآراء واستحدث لها من المبادئ والنظريات لا تزال في مستوى أدنى من مستوى الشريعة.
وليعجب من شاء كما يشاء من هذا القول، فإن الحق في هذه الأيام أصبح غير مألوف بحيث يعجب منه أكثر الناس، ولكن العجب لن يستبد بمن كان له عقل يفكر، ويقدر، ويقارن، ويوازن، ويميز الخبيث من الطيب.
إن الحديث قد يكون خيرًا من القديم إذا قورن ما صنعه الناس قديمًا بما يصنعه الناس اليوم، ولكن الحديث لن يتهيأ له أن يصل إلى مستوى القديم إذا قورن ما يصنعه الناس بما صنعه رب الناس.
لقد صنع الله موسى وعيسى ومحمدًا وأوحى إليهم بالتوراة والإنجيل والقرآن. فهل جاء قبلهم أو بعدهم من غير الرسل من يصح أن يوضع معهم موضع المقارنة؟ وهل استطاع البشر أن يأتوا بمثل ما أتوا به؟ ولقد صنع الله السماء والأرض، وسخر لنا الشمس والقمر، وخلقنا معشر البشر، فهل يحسن البشر أن يصنعوا مثل هذا؟ أنهم لا يحسنون أن يصنعوه، بل إن أكثرهم لا يحسنون أن يفقهوه.
وإذا استساغت عقول البشر أن تضع ما يصنعه مخلوق في مستوى ما صنعه مخلوق آخر؛ فإن هذه العقول لا تستسيغ بأي حال أن تضع ما يصنعه المخلوق في مستوى ما صنعه الخالق، لأنها تدرك الفرق بين الصناعتين، وتحس المدى الواسع بين الصانعين. ولا شك أن العقول التي تدرك هذا جديرة بأن تدرك الفرق بين
1 / 5