Islam Wa Hadara Insaniyya

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
79

Islam Wa Hadara Insaniyya

الإسلام والحضارة الإنسانية

Genres

وأغرب ما في هذا التعليل أن يفهم المؤلفان أن خشوع المسلم في صلاته يعوده أن يسجد لغير الإله المعبود، وقد كان الأحرى بينهما أن يعلما حقيقته فلا يفوتهما أن هذا الخشوع في موقف العبادة خليق أن يذكر الإنسان باجتناب عبادة الإنسان، ويحذره من التورط في الكفر بالتسوية بين الصلاة للخالق والصلاة للمخلوق، ولكنهما لو ذكرا للخضوع أو للخشوع سببا آخر لكشفنا عن سبب لا يرضيهما أن يعترفا به وما فيه من المساس بالحكم الأجنبي ونظام التبشير وعلاقته بالسياسة الاستعمارية في البلاد الأفريقية والبلاد الإسلامية منها على التخصيص.

فالسياسة البريطانية تقوم في المستعمرات على الحذر من أصحاب الدولة الأقدمين، وعلى الحذر قبل ذلك من الثقافات الاجتماعية التي تقاوم ثقافة الأجنبي وتوحي إلى أبنائها مذهبا من مذاهب الحكم والنظام، يعارض المذهب الطارئ عليهم من أساسه ويستطيع أن يزود المحكومين بنظام يناظره ويتحداه. وقد صرح أساطين الاستعمار البريطانيون بخطتهم السياسية - الهندية - هذه غير مرة، فقال لورد ألنبرو: «ليس يسعني أن أغمض عيني عن اليقين بأن هذا العنصر الإسلامي عدو أصيل العداوة لنا، وأن سياستنا الحقة ينبغي أن تتجه إلى تقريب الهنديين.»

وهذه الخطة بعينها هي الخطة التي جرت عليها السياسة الاستعمارية بين الأفريقيين كلما صادفتهم كثرة إسلامية تجاورها قلة متفرقة من الوثنيين أو غير المسلمين على العموم، فإنهم يتعمدون إقصاء الرءوس المطاعين بين العشائر المسلمة ولا يبالون أن يتبعوا خطة السماحة والإغضاء مع القبائل الوثنية المتفرقة؛ لأنها لا تستطيع أن تقابلهم بإجماع متجانس يخافون عقباه. فإذا تولى وظائف الدواوين من أهل نيجيريا الشمالية أناس مستضعفون لا يجدون لهم رءوسا من أبناء جلدتهم يطيعونها ويأتمرون بأمرها، فهذه هي ذلة المستضعف أمام السادة الأجنبيين، ولا حيلة للواحد أو الاثنين أو الثلاثة من علية الوطنيين المقبولين عند أولئك السادة غير الخشوع والاستسلام. وقد يكون الخشوع والاستسلام ديدنا معروفا عنهم قبل أن يظفروا برضوان المستعمر واطمئنانه، فيعهد إليهم بالوظيفة المرموقة ولو كانت ذات شأن خطير يخشاه المستعمر إذا تولاه المحكمون غير المأمونين.

واطردت هذه الخطة السياسية إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تقرر نظام الوصاية والانتداب فاضطر الحكام الأجانب إلى اتباع النظم الدستورية والتعاون مع الزعماء الوطنيين الذين تنتخبهم شعوبهم ولا يتأتى للحاكم الأجنبي أن يتخطاهم مهما يبلغ من تلفيق الدساتير وتزوير الانتخابات، فكان الاعتراف بزعماء المسلمين قضاء محتوما لا سبيل إلى اتقائه بغير الحيلة والمحاسنة، وكان من أساليب هذه المحاسنة أنهم أخذوا يرحبون بأبناء العلية الأولين ويشجعونهم على إتمام دروسهم بالجامعات الإنجليزية، وثابروا عدة سنوات على اختيار أربعة من طلاب الجامعات في كل سنة يتكفلون بهم ويسندون إليهم كبار المناصب بعد عودتهم إلى بلادهم، ومنهم السيد أبو بكر طفاوة أول رئيس وزارة تولى رئاسة الحكومة الاتحادية بعد إعلان الاستقلال منذ ستة شهور.

وقد أراد الاستعمار أمرا وأراد الله غيره، فكان أسبق النيجيريين إلى ولاية الحكم بين أبناء وطنهم، أولئك الذين أقصاهم المستعمرون عنه، ودبروا بالأمس تدبيرهم الطويل لنفيهم عن الكبير والصغير من وظائف الدواوين.

الفصل العشرون

مراكش مستقلة1

الأستاذ روم لاندو أستاذ الدراسات الإسلامية ودراسات إفريقية الشمالية في جامعة المحيط الهادي بمدينة كليفورنيا، وهو سائح باحث قديم عهد بالبحث في مسائل الديانة عامة، والديانة الإسلامية خاصة، وله مؤلفات كثيرة في هذه المسائل على تعدد أبوابها، وبعضها مقصور على البحث في الحياة الإسلامية كما عرفها بين المسلمين من أبناء المغربين الأدنى والأقصى حيث قضى سنوات من حياته، ولا يزال يقضي ما اتسع له من الوقت في إحدى حواضرها.

وفضيلة هذا المؤلف في كتاباته عن المسلمين أنه يشغل نفسه بالتفتيش عن الجانب السليم أو جانب الأمل من الحياة الدينية والدنيوية بينهم، وليس كل شغلانه بالتفتيش عن الجوانب التي تبعث التشاؤم من الناحية الإسلامية وتبعث التفاؤل من الناحية الأخرى التي تقابلها: ناحية أولئك الذين يتربصون بالإسلام الدوائر من كتاب التبشير والاستعمار.

وعلى سنته هذه جرى في الكتابة عن حالة المسلم العصري المثقف، وغير المثقف، في البلاد المراكشية بعد استقلالها، وبخاصة فيما يتراءى للمراقبين الأوروبيين الذين يزورون البلاد وينظرون إلى أثر الحضارة والحرية على قوة العقيدة الدينية بين الشبان المتعلمين، وقد كتب أحد السائحين الإنجليز مقالا زعم فيه أن طوالع الأحوال كما رآها أخيرا تدعو إلى اليقين بانفضاض البلاد عن الدين وإقبالها على المراسم الأوروبية بعد سنوات قليلة فيما يتعلق بنظم الحكم ونظم المعيشة التي تتصل بالمعاملات الأجنبية، سياسية كانت أو اجتماعية.

Unknown page