21
وقال بونه موري:
22
يجب أن نصحح خطأ شاع طول القرون الوسطى، وهو أن العرب أحرقوا خزانة الإسكندرية بأمر الخليفة عمر، والحال أن العرب في ذلك العصر كانوا أشد إعجابا بعلوم اليونان وفنونهم من أن يقدموا على عمل كهذا، كما أنه معلوم أن قسما من تلك الخزانة كان احترق في أثناء ثورة الإسكندريين التي باد فيها أسطول قيصر، وأن قسما آخر أحرقه النصارى في القرن السادس، واختط العرب الفسطاط وتركوا للقبط ممفيس ولم يتعرضوا لهم في دينهم وعاداتهم، وأطلقوا لهم الحرية في انتخاب البطريرك وبناء الكنائس، وغاية ما أبطل عمرو من العادات القديمة هو ما كانوا جارين عليه من زمان الوثنيين من رمي فتاة في النيل كل سنة التماسا لفيضانه.
وعلى كثرة ما رد المنصفون تهمة حريق خزانة الإسكندرية عن عمر بن الخطاب، لا يزال فريق الإثبات مصرا على رأيه؛ لأن هذا العمل مما يحط ضمنا من رجال الإسلام، وهذه فرصة قلما تسنح للمتعصبين حتى يثبتوا أن الرجل الذي يفاخر المسلمون به هو همجي؛ ولذلك كان ينقلها الخلف عن السلف بكل أمانة كأنها حقائق، وكأنهم يشيرون إلى أن هذه الخزانة لو سلمت لغيرت وجه الكون، أما إذا وقع شيء من هذا من جماعتهم كحريق الكردينال كسيمنس كتب المسلمين في ساحات غرناطة، وكانت ثمانين ألف مجلد على رواية مؤرخيهم، فإنهم يحاولون أن يبرئوه من هذه الوصمة، ويقللوا من شأن خزائن الكتب التي أحرقتها إسبانيا وكانت عشرات، يوم قضت على العرب في بلادها في القرن السادس عشر، وصرفت نصف قرن في القضاء على كل أثر لهم، ولولا تلك المترجمات إلى العبرية واللاتينية لقضي على الحضارة العربية التي امتد رواقها على إسبانيا مدة ثمانية قرون
23
وعفت آثارها، ولا نذكر أننا قرأنا لبعض نقاد الغربيين نبذة في تقبيح ما فعله الصليبيون يوم غارتهم على طرابلس، أوائل المائة السادسة للهجرة، ويوم أمر صنجيل بإحراق كتب دار العلم فيها، وكانت تقدر بأكثر من مائة ألف مجلد، ويوم أخذ الصليبيون بعض ما طالت أيديهم إليه من دفاترها ومن كتب الخاصة في بيوتهم.
وقع الحق من نفوس بعض المستشرقين
وقع لنا أن قلنا مرة في مجلة المجمع العلمي العربي
24
Unknown page