Mawqiʿ al-Islām Suʾāl wa-Jawāb
موقع الإسلام سؤال وجواب
Genres
هل نعيم القبر وعذابه على الجسد والروح أم على أحدهما دون الآخر
[السُّؤَالُ]
ـ[كل إنسان مسئول عن أعماله يوم القيامة، وقبل هذا اليوم يبدأ العقاب في القبر. فما هي حال الروح أثناء هذه الفترة؟
وإذا كان عذاب القبر واردًا وصحيحًا، فهل يُعذب الإنسان بجسده وروحه على أعماله داخل قبره؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك في ثبوت عذاب القبر ونعيمه كما دلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية واتفاق سلف الأمة. ويمكنك مراجعة سؤال رقم (٣٤٦٤٨) للاطلاع على تفصيل هذه المسألة.
وأما كون العذاب على الجسد والروح جميعا أو على أحدهما دون الآخر؟
فالأصل أن العذاب والنعيم في القبر يكون على الروح، وقد تتصل الروح بالبدن فيصيبه شيء من العذاب أو النعيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:" فَلْيُعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ " سَلَفِ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا " أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا مَاتَ يَكُونُ فِي نَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِرُوحِهِ وَلِبَدَنِهِ وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً وَأَنَّهَا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانًا فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ. ثُمَّ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى أُعِيدَتْ الأَرْوَاحُ إلَى أَجْسَادِهَا وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ" إ. هـ.
وَالأَحَادِيثُ التي تدل على هذه الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ منها ما رواه أبو داود (٤١٢٧) وصححه الألباني في صحيح أبي داود عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵁ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ. فَانْتَهَيْنَا إلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ ﷺ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ ; فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا. وَذَكَرَ صِفَةَ قَبْضِ الرُّوحَ وَعُرُوجِهَا إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ عَوْدَهَا إلَيْهِ. إلَى أَنْ قَالَ: وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ حِينَ يُقَالُ لَهُ يَا هَذَا مَنْ رَبُّك؟ وَمَا دِينُك؟ وَمَنْ نَبِيُّك؟ . وَفِي لَفْظٍ: ﴿فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ وَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّك؟ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُك؟ فَيَقُولُ دِينِي الإِسْلامُ. فَيَقُولانِ. مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي أُرْسِلَ فِيكُمْ؟ قَالَ: فَيَقُولُ. هُوَ رَسُولُ اللَّهِ. فَيَقُولانِ: وَمَا يُدْرِيك؟ فَيَقُولُ: قَرَأْت كِتَابَ اللَّهِ وَآمَنْت بِهِ وَصَدَّقْت بِهِ فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) قَالَ: فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَافْرِشُوا لَهُ فِي الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إلَى الْجَنَّةِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا قَالَ: وَيُفْسَحُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ قَالَ: وَإِنَّ الْكَافِرَ فَذَكَرَ مَوْتَهُ. وَقَالَ: وَتُعَادُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّك؟ فَيَقُولُ هاه هاه لا أَدْرِي. فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُك؟ فَيَقُولُ: هاه. هاه لا أَدْرِي فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ عَبْدِي فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إلَى النَّارِ قَالَ: وَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا قَالَ: وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ قَالَ: ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا قَالَ: فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إلا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَابًا. ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ﴾ .
فَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِإِعَادَةِ الرُّوحِ إلَى الْجَسَدِ وَبِاخْتِلافِ أَضْلاعِهِ وَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى الرُّوحِ وَالْبَدَنِ مُجْتَمِعَيْنِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (إن المؤمن إذا قبض أتته ْمَلائِكَةُ الرحمة بِحَرِيرَةِ بَيْضَاءَ. فَيَقُولُونَ: اُخْرُجِي إلى رَوْح الله فتخرج كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكِ حَتَّى إنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يشمونه حَتَّى يَأْتُون بِهِ بَابَ السَّمَاءِ. فَيَقُولُونَ: ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من َالأَرْضِ؟ ..حتى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أهل الغائب بِغَائِبِهِم؟ ..وَأَما الْكَافِرَ فيأتيه مَلائِكَةُ الْعَذَابِ بِمَسْح (قطعة من الصوف الغليظ) فَيَقُولُونَ: اُخْرُجِي مَسْخُوطًا عَلَيْك إلَى عَذَابِ اللَّهِ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ جِيفَةٍ﴾ رواه ابن حبان (٧/ ٢٨٤) وقال محققه إسناده صحيح.
(فَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَنَحْوِهَا اجْتِمَاعُ الرُّوحِ وَالْبَدَنِ فِي نَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ وأَنَّ الرُّوحَ تُنَعَّمُ مَعَ الْبَدَنِ الَّذِي فِي الْقَبْرِ - إذَا شَاءَ اللَّهُ -.
وَأَمَّا انْفِرَادُ الرُّوحِ وَحْدَهَا بالعذاب أو النعيم، فَقَدْ تَقَدَّمَ ما يدل على ذلك وفي سنن النسائي (٢٠٧٣) عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ﴿إنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يبعثه الله إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ﴾ وصححه الألباني في صحيح النسائي.
وَقَوْلُهُ " يَعْلُقُ " أَيْ يَأْكُلُ.
فقد دلت هذه الأَحَادِيثِ على أَنَّ الْأَبْدَانَ الَّتِي فِي الْقُبُورِ تُنَعَّمُ وَتُعَذَّبُ - إذَا شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ - كَمَا يَشَاءُ؛ وأن الروح تُنَعَّمُ فِي الْجَنَّةِ وَحْدَهَا وَكِلاهُمَا حَقٌّ. ودلت كذلك على أَنَّ الأَرْوَاحَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ َمُنَعَّمَةً أوَمُعَذَّبَةً.
وسئل الشيخ ابن عثيمين ﵀: هل عذاب القبر على البدن أو على الروح
فأجاب:
الأصل أنه على الروح، لأن الحكم بعد الموت للروح، والبدن جثة هامدة، ولهذا لا يحتاج البدن إلى إمداد لبقائه، فلا يأكل ولا يشرب، بل تأكله الهوام، فالأصل أنه على الروح، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية إن الروح قد تتصل بالبدن فيعذب أو ينعم معها.... فبناء على ذلك قال العلماء إن الروح قد تتصل في البدن فيكون العذاب على هذا وهذا، وربما يستأنس لذلك بالحديث الذي قال فيه رسول الله ﷺ: (إن القبر ليضيق على الكافر حتى تختلف أضلاعه) فهذا يدل على أن العذاب يكون على الجسم لأن الأضلاع في الجسم. مجموع فتاوى ابن عثيمين (١/٢٥)
والله تعالى أعلم.
انظر (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٤/ ٢٨٢ - ٢٩٩) والقيامة الصغرى للشيخ عمر الأشقر (١٠٧) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 341