Ishkal wa Jawabuhu fi Hadith Umm Haram bint Milhan
إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان
Publisher
دار المحدث للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
ذو القعدة ١٤٢٥ هـ
Genres
ـ[إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان]ـ
(دراسة تأصيلية تطبيقية تبين المنهج العلمي في الإجابة عن الإشكالات التي ربما تعرض في بعض الأحاديث)
المؤلف: أبو عمر علي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري
تقديم: فضيلة الشيخ المحدث: عبد الله بن عبد الرحمن السعد
الناشر: دار المحدث للنشر والتوزيع
الطبعة: الأولى، ذو القعدة ١٤٢٥ هـ
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Unknown page
تقديم فضيلة الشيخ المحدث
عبد الله بن عبد الرحمن السعد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فقد اطلعت على بحث بعنوان "إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان"، للشيخ: علي بن عبد الله الصياح - وفقه الله تعالى - فوجدته بحثا نفيسا كثير الفوائد، وقد أجاب عن ما يستشكله بعض الناس في هذا الحديث، ويفهمه على غير وجهه الصحيح، وقد أبان - وفقه الله تعالى - في بحثه هذا عن الطريقة الصحيحة والمسلك المستقيم في مثل هذه القضايا، فجزاه الله خيرا.
وكتب
عبد الله بن عبد الرحمن آل سعد
١٩ / ٩ / ١٤٢٤
1 / 5
مقدمة
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ.
أمَّا بعد:
فإنَّ مِنْ طرائقِ المحدثين في التصنيف إفرادُ بعضِ الأحاديث بجزءٍ ومصنفٍ، والكلام عليه عَقديًا أوحَدِيثيًا أو فقهيًا أو غير ذلك (١) .
وفي الغالب أنّ الأحاديثَ المفردةَ بالتصنيفِ تكونُ إمّا:
- مِنْ جَوامعِ كَلِمهِ ﷺ كحَدِيثِ "إنما الأعمالُ بالنيات"، وَحَدِيث" بُني الإسلامُ عَلى خمسٍ".
_________
(١) وقد جَمَعَ الباحثُ يوسفُ العتيق الأحاديثَ التي أفردت بالتصنيف في كتابٍ سماه"التعريف بما أفرد من الأحاديث بالتصنيف"، الطبعة الأولى، ١٤١٨، دار الصميعي-الرياض-.
وممن عُني بجمع "الكتب المؤلفة في شروح أحاديث معينة" الباحث محمد التليدي في كتابه "تراث المغاربة في الحديث النبويّ وعلومه" (ص:١٧٦) . الطبعة الأولى، ١٤١٦، دار البشائر الإسلامية-بيروت-.
وكذلكَ جَمَعَ مُحَمَّد خير رمضان "الكتب المؤلفة في شروح أحاديث معينة" ضمنَ كتابهِ القيّم "المعجم المصنف لمؤلفات الحديث الشريف" (٢/١١٢٣-١١٥٩) . الطبعة الأولى، ١٤٢٣، مكتبة الرشد-الرياض-.
1 / 7
- أو مِنْ الأحَادِيثِ المشتملة عَلى "فوائد خطيرة، وفرائد غزيرة، ومباحث كثيرة" (١) كحَدِيثِ "ذي اليدين"، وَحَدِيثِ "المسيء صلاته".
- أو مِنْ الأحَادِيثِ المُشْكِلة التي تحتاجُ إلى جَلاء وبيان كحَدِيثِ "أُمِّ زَرْع (٢) "، وَحَدِيثِ "لا تردُ يد لامسٍ".
- أو مِنْ الأحَادِيثِ المتعارضة التي تحتاجُ إلى جمعٍ أو ترجيحٍ كحَدِيث "لا عَدوى ولا طِيَرة"، وَحَدِيث "بئر بُضَاعة".
- أو مِنْ الأحَادِيثِ المُخْتَلفِ فيها صحةً وضعفًا كحَدِيث "القلتين".
ولا شك أنّ الحَدِيث إذا أُفْرِدَ بالتصنيفِ كَانَ ذَلكَ أدْعَى للشموليةِ والاستقصاءِ مما يترتبُ عليه عُمْق البحث، ودِقة النتائج.
ومن الأحاديث العظيمة الجديرة بالإفراد والتصنيف حَدِيث " أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان ورؤيا النَّبِيّ ﷺ " وذلك لأسباب عديدة:
١- أنّ الحَدِيث تضمن دلائل عظيمة من دلائل النبوة، وهذه الدلائل جديرة بالتأمل والبيان والإظهار.
٢- أنّ في الحَدِيث إشكالًا يحتاجُ إلى بيانٍ وتجليةٍ وهو ما يوهمه ظاهر الحَدِيث من خلوة النَّبِيّ ﷺ بأُمّ حَرَام، وكذلك فلي أُمّ حَرَام رأس النَّبِيّ ﷺ، وهذا الإشكال انحرفت في فهمه عقول:
أفطائفة أنكرت الحَدِيث وحكمت ببطلانه، وطعنت في الصحيحين
_________
(١) مقتبس من مقدمة العلائيّ لكتابه "نظم الفرائد لما تضمنه حَدِيث ذي اليدين من الفوائد" (ص٣٦) .
(٢) انظر: كلام القاضي عياض في مقدمة كتابه "بغية الرائد لما تضمنه حَدِيث أمِّ زَرْع من الفوائد" (ص١) .
1 / 8
حماية لجناب الرسول ﷺ حسب زعمهم!!.
ب وطائفة وسعت دلالة الحَدِيث وجوزت مس المرأة الأجنبية والخلوة بها، بل وجوزت دخول المرأة العسكرية دون قيد ولا شرط، وأغفلت النصوص الأخرى.
وهاتان الطائفتان على طرفي نقيض!، و: كِلاَ طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمورِ ذَمِيمُ، وكلٌ منهما يلوي النّص حسب توجهه!.
و"إنّ المرءَ المستقيمَ ليسمع الحديثَ الصحيحَ فيدركه على وجههِ إنْ كان سليم النفس، حَسَن الطوية، وهو ينحرفُ به إذا كان إنسانًا مريض النفس معوجا، وهل ينضح البئر إلاّ بما فيه، وهل يمكن أن نتطلب من الماء جذوة نار؟ أو نغترف من النار ماء؟ وقديما قالوا: إنّ كل إناء بما فيه ينضح، أشهد أنّ الله قد قَالَ في نبيه ﷺ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم:٤) " (١) .
ووفق اللهُ أهلَ العلم والإيمان للفهم السليم الذي به تأتلف نصوص الكتاب والسنة وتتسق، على منهجٍ علمي منضبط، مبني على التسليمِ لله ولرسوله ﷺ، مستفيدين من فهوم العلماء الربانيين من سلفنا الصالح.
٣- اشتماله على صورةٍ مشرقةٍ من جَهاد المرأة في سبيل الله، وبذلها الغالي والنفيس في خدمة هذا الدين، ففي الحَدِيث ردٌّ على تلك الصرخات المعاصرة الجائرة التي تدعي أنَّ الدينَ الإسلامي هَضَمَ المرأةَ حقوقَها، ولم يقم لها وزنًا!.
٤- اشتمال الحَدِيث على فوائد كثيرة شرعية، وتربوية.
_________
(١) مقتبس من كلام الدكتور: طه الدسوقي في كتابه السنة في مواجهة أعدائها (ص٢٠٥) .
1 / 9
وقد كتبت جزءًا في الكلام على الحَدِيث رواية ودراية، عالجت فيه جميع المسائل المتقدمة حسب القدرة، والله -سبحانه وتعالي- يقول ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ (الطلاق: ٧)، -وإليه ﷾ السؤال أن يجعل ذلك خالصًا لوجهه الكريم، مقتضيا لرضاه، وأن لا يجعل العلم حجة على كاتبه في دنياه وأخراه، وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل-.
ولا زال الكتاب في طور الإعداد والتنقيح غير أنّي لمَّا رأيت كثرة الكلام حول الإشكال الوارد في الحَدِيث مِنْ خَلوةِ النَّبِيّ ﷺ بأُمّ حَرَام، وكذلك فلي أُمّ حَرَام رأس النَّبِيّ ﷺ، رأيتُ أنْ أخرج المبحث المتعلق بهذا الإشكال والإجابة عنه سائلًا المولى أنْ ينفعَ بهِ المسلمين.
ومما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه: أنه ليس من طريقة أهل العلم ولإيمان تتبع المتشابهات والإشكالات المخالفة للمحكمات وإثارتها - خاصةً عند العوام -، وهذه الطريقة طريقة أهل البدع والضلال ورثوها عن المنافقين.
وكذلك ليس من منهج أهل العلم والإيمان السكوت عن الشبهات والإشكالات التي تثار وتنشر على رؤؤس الملاء، فعندهم من الحق والعلم والهدى والضياء ما يقذفون به الباطل فيدحره، قَالَ تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ (الأنبياء:١٨)، وَقَالَ سبحانه: ﴿فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾ (الرعد:١٧) .
فما ذكرته في هذا البحث هو من الشبهات التي يتكأ عليها أهل الشهوات، وأهل الشبهات في هذا الزمان، ويثيرونها في وسائل الأعلام المختلفة التي تشاهدُ وتقرأُ وتسمعُ مِنْ قِبلِ ملايين الناس، فنسألُ اللهَ أنْ يحفظنا وجميعَ المسلمين من الفتن ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ.
1 / 10
خطة البحث:
وسرتُ في هذا الجزء على الخطة التالية:
- المُقَدّمة -وهي هذه-.
المبحث الأوَّل: تخريج موجزٌ للحديث.
المبحث الثاني: الإشْكَالُ وَجَوَابُهُ، وفيه مطالب:
المطلب الأول: مقدمات عامة نافعة في مثل هذه الإشكالات التي ربما تَعرضُ في بعضِ الأحاديث.
المطلب الثاني: مقدمات خاصة في الإجابة عن حَدِيث أُمّ حَرَام.
المطلب الثالث: أجوبة أهل العلم والإيمان عن هذين الإشكالين.
المطلب الرابع: وقفات حول هذه الشبهة في الحَدِيث.
ومما أنبه عليه أنَّي لم أطبعْ هذا الكتاب حتى عرضته عَلى عَدَدٍ من مشايخي الفضلاء وَعَلَى رأسهم:
١- شيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك.
٢- وشيخنا عبد الله بن عبد الرحمن آل سعد.
٣- وشيخنا سعد بن عبد الله آل حميد.
وقد استفدتُ من ملحوظاتهم وتوجيهاتهم فجزاهم الله خيرًا، ونفع بهم
1 / 11
الإسلام والمسلمين.
قال محمد بن عبد الملك الفارقي المتوفي سنة سنة أربع وستين وخمسمائة (١):
إذَا أَفَادَكَ إنْسانٌ بفائدةٍ مِنْ العلومِ فأكثِرْ شُكرَهُ أبدَا
وقُلْ فُلانٌ جزاهُ اللهُ صالحةً أفادَنِيها وألقِ الكبر والحَسَدَا
_________
(١) طبقات الشافعية الكبرى (٦/١٧٦) .
1 / 12
المبحثُ الأوَّلُ: تخريجٌ موجزٌ للحَدِيث (١):
رَوَى الحديثَ عَنْ أُمّ حَرَام أربعة:
-الأوَّل: الصحابيّ الجليل أنس بن مالك.
-الثاني: عمير بن الأسود.
-الثالث: يعلى بن ثابت -وفي ثبوت هذا الطريق نظر، بينته في الأصل-.
-الرابع: عطاء بن يسار-على خلافٍ في إسناد هذا الحَدِيث، بينته في الأصل -.
وأنسُ بنُ مالك أشهر من روى الحَدِيث عَنْ أُمّ حَرَام وأجلهم وأتقنهم، ومما يُمَيّز روايته أيضًا أنّ أُمّ حَرَام إحدى خالاته.
- وَرَوَى الحديثَ عَنْ أنس أربعةٌ:
الأوَّل: إسحاقُ بنُ عبد الله بن أبي طلحة.
الثاني: مُحَمَّد بنُ يحيى بن حَبّان.
الثالث: أبو طُوَالة عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاريّ.
_________
(١) وقد توسعتُ في الكلام على تخريج الحديث في الأصل وبينت جميع طرقه وأسانيده، والمسائل والنكت الحديثية المتعلقة بالحديث، والمقصود هنا الكلام على الإشكال فقط.
1 / 13
الرابع: المختار بن فُلْفُل.
وجميعُ رواياتهم متقاربة بالجملة غيرَ أنَّ روايةَ إسحاق بنِ عبد الله بن أبي طلحة أجمع الروايات لألفاظ المتن، وهي الرواية الوحيدة التي ورد فيها ذكر "فلي أُمّ حَرَام رأس النَّبِيّ ﷺ "، لذا سأكتفي بتخريجها.
* أخرجها:
-مالك في الموطأ، كتاب الجهاد، باب الترغيب في الجهاد (٢/٤٦٤رقم٣٩)، ومن طريقه:
- البُخَاريّ في صحيحه في مواضع:
- كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء، (٣/١٠٢٧ رقم٢٦٣٦) . وكتاب التعبير، باب رؤيا النهار (٦/٢٥٧٠رقم٦٦٠٠) عَنْ عبد الله بن يوسف (١) .
- كتاب الاستئذان، باب من زار قوما فَقَالَ عندهم (٥/٢٣١٦رقم٥٩٢٦) عَنْ إسماعيل بن أبي أويس (٢) .
-ومُسلِم في صحيحه، كتاب الإمارة، (٣/١٥١٨رقم١٩١٢) عَنْ يحيى بن يحيى.
_________
(١) وقد أخرج البخاريُّ الحديثَ في كتابه "الأدب المفرد" (ص٣٢٨) بابٌ هل يفلي أحدٌ رأسَ غيرهِ، عَنْ عبد الله بن يوسف.
(٢) تكلم جمهورُ النقاد في رواية إسماعيل بن أبي أويس -وليس هذا موضع التوسع في مناقشة ما قيل فيه جرحًا وتعديلًا، خاصةً وأنه قد توبع على هذه الرواية المذكورة هنا كما هو بيّن- غير أنَّه مما ينبغي التفطن له أنّ من منهج الإمامِ البخاريّ في الرواية عن شيوخه المتكلم فيهم أنْ ينتقي من أصولهم ما صحَّ من حديثهم، ومما يدل على ذلك:
- قول البخاريّ: «كَانَ إسماعيلُ بنُ أبي أُويس إذا انتَخَبتُ مِنْ كِتابهِ، نَسَخَ تلك الأحاديثَ لنفسِهِ، وَقَالَ: هذه الأحاديثُ انتخبها مُحَمَّد بنُ إسماعيل مِنْ حَدِيثي» . انظر:"تاريخ بغداد" (٢/١٩)، "تاريخ مدينة دمشق" (٥٢/٧٧) .
- وقول البخاريّ أيضًا: قَالَ لي مُحَمَّد بنُ سَلاَم: انظرُ في كتبي فما وجدتَ فيها من خطأ فاضرب عليه كي لا أرويه، فَفَعلتُ ذلكَ. "تاريخ مدينة دمشق" (٥٢/٧٧)، "مقدمة فتح الباري" (ص٤٨٣) .
- قول الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص٣٩١): «روينا في "مناقبِ البخاريِّ" بسندٍ صحيحٍ أنّ إسماعيلَ أخرج له أصوله، وأذن له أن ينتقي منها، وأنْ يعلمَ لهُ على ما يحدث به ليحدث به، ويعرض عما سواه، وهو مشعرٌ بأنَّ ما أخرجه البخاريُّ عنه هُو مِنْ صحيحِ حديثه لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره إلا أن شاركه فيه غيره فيعتبر فيه» .
-وقال أيضًا في "النكت على كتاب ابن الصلاح" (١/٢٨٨): «الذينَ انفردَ بهم البخاريُّ ممنْ تُكُلمُ فيهِ أكثرهُمْ مِنْ شيوخهِ الذينَ لَقِيهم، وَعَرَفَ أحوالَهُم، وَاطلع عَلَى أحاديثهم فميّز جيدها مِنْ رديها بخلافِ مُسلم، فإنَّ أكثرَ مَنْ تفردّ بتخريجِ حَدِيثه ممن تُكُلمُ فيه مِنْ المتقدمين، وقد أخرج أكثر نسخهم كما قدمنا ذكره. ولا شكَ أنَّ المرءَ أشدّ معرفة بحديثِ شيوخهِ، وبصحيحِ حَدِيثهم مِنْ ضعيفه ممن تقدم عَنْ عصرهم» .
وقال نحوه في "مقدمة الفتح" (ص١٢) . وانظر: "مقدمة الفتح" (ص٣٨٧، ٣٨٨، ٤١٣)، "فتح المغيث" (١/٢٩) .
قلتُ: وَمَنهجُ انتقاء ما صحَّ من مرويات المجروحين مما في أصولهم منهجٌ لكبار نقاد الحديث؛ ومما يدل على ذلك: قولُ البرذعيّ رأيتُ أبا زُرْعةَ يسيىءُ القولَ فيه-أي في سُوَيد بنِ سَعِيد- فقلتُ له: فأيش حَاله؟ قَالَ: أمَّا كُتُبهُ فَصِحَاحٌ، وكنتُ أتتبعُ أصولَهُ وَأكتبُ مِنْها، فَأمَّا إذا حدّثَ مِنْ حفظهِ. سؤالات البرذعي (ص٤٠٩) .
وانظر: "العلل الكبير" للترمذي (ص ٣٩٤ تحقيق: السامرائي) "الجرح والتعديل" (٥/١٤٧)، "زاد المعاد" (١/٣٦٤)، "شرح علل الترمذي" (١/٤٢٠)، "التنكيل" للمعلمي (١/١٢٣) .
فينبغي التفطن لمناهج النقاد وأئمة الحديث، وتلمس طرائقهم في كتبهم والاستفادة من أقوال المتخصصين في ذلك، والتجرد في طلب الحق، وسؤال الله - دائمًا - أنْ يرزقك العلمَ والفهمَ، والله الموفق.
1 / 14
-وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب فضل الغزو في البحر (٣/
1 / 15
٦رقم٢٤٩١) عَنْ عبد الله بن مسلمة القعنبي.
-والترمذي في جامعه، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في غزو البحر (٤/١٧٨رقم١٦٤٥) عَنْ معن بن عيسى.
-والنسائيُّ في سننه (المجتبى)، كتاب الجهاد، فضل الجهاد في البحر (٦/٤٠) من طريق عبد الرحمن بن القاسم.
- وعبد الله بنُ المبارك في الجهاد (ص١٥٧رقم٢٠١) .
-ومحمد بن سعد في الطبقات الكبرى (٨/٤٣٥) عَنْ معن بن عيسى.
-وأحمد بن حنبل في مسنده (٣/٢٤٠) عَنْ أبي سلمة منصور بن سلمة (١) .
-وأبو عَوَانة في مستخرجه، كتاب الجهاد، بيان فضل الغزو في البحر (٤/٤٩٤رقم٧٤٥٩) من طريق عبد الله بن وَهَب.
-وابن حبان في صحيحه -كما في الإحسان (١٥/٥١ رقم٦٦٦٧) - من طريق أبي مصعب أحمد بن أبي بكر.
-واللإلكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (٨/١٤٣٨) من طريق مصعب الزبيري والوليد بن مُسلِم.
-وأبو نُعَيم في حلية الأولياء (٢/٦١) ومعرفة الصحابة (٦/٣٤٨١رقم٧٨٩٤)، وفي دلائل النبوة (٢/٥٥٥) من طريق القعنبي ويحيى بن بكير.
_________
(١) وقع خلاف بين النسخ هل هو "أبو سلمة"، أو "أبو أسامة" والصواب الأول، انظر: المسند (٢١/١٦٢رقم١٣٥٢٠) -تحقيق شعيب-، وإتحاف المهرة (١/٤١٤)، وأطراف المسند (١/ ٢٧٣) وكلاهما لابن حَجَر.
1 / 16
-والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب فضل من مات في سبيل الله (٩/١٦٥) من طريق يحيى بن يحيى.
-وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (٧٠/٢١١) من طريق أبي مصعب أحمد بن أبي بكر، وأحمد بن إسماعيل، ومصعب الزبيري.
جميعهم عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَس عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ (١)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان فَتُطْعِمُه، ُ وَكَانَتْ أُمّ حَرَام تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت، ِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْه، ُ ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ -يَشُكُّ أَيَّهُمَا- قَالَ: َ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
_________
(١) هو: إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة زيد الأنصاري النجاري، ابن أخي أنس لأمه، وربما يقال: إسحاق بن أبي طلحة - بنسبته إلى جده -، كان يسكن دار جده بالمدينة، وهو تابعي، سمع أباه وعمه لأمه أنس بن مالك وغيرهما.
واتفقوا على توثيقه، وهو أشهر أخوته وأكثرهم حديثا وهم: عبد اللَّه ويعقوب وإسماعيل وعمر بنو عبد اللَّه، وكان مالك لا يقدم على إسحاق في الحديث أحدًا، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة، روى له الجماعة.
ولمالك عنه في الموطأ من حَدِيث النَّبِيّ ﷺ خمسة عشر حديثا منها: عَنْ أنس عشرة، وعن رافع بن إسحاق حديثان، وعن زفر بن صعصعة حَدِيث واحد، وعن أبي مرة حَدِيث واحد، وعن حميدة امرأته حَدِيث واحد.
انظر: التاريخ الكبير (١/٣٩٣رقم١٢٥٥)، الجرح والتعديل (٢/٢٢٦رقم٧٨٦)، التمهيد (١/١٩٨) تهذيب الكمال (٢/٤٤٤)، تهذيب التهذيب (١/٢١٠)، تقريب التهذيب (ص١٠١رقم٣٦٧)، عمدة القاري (٢/٣٢) .
1 / 17
نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ؟ قَالَ: أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ، فَرَكِبَتْ أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ.
هذا لفظُ مالك في الموطأ -رواية يحيى بن يحيى- ومُسلِم في صحيحه.
وَقَالَ الترمذي: «حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ، وأُمُّ حَرَام بِنْتُ مِلْحَان هي أختُ أُمّ سُلَيْم وهي خَالةُ أنس بنِ مالك» .
1 / 18
المبحث الثاني: الإشْكَالُ وَجَوَابُهُ:
استشكل حَدِيث أُمّ حَرَام هذا مِنْ وجهين:
الأوَّل: أنّ ظاهر الحَدِيث يوهم خلوة الرسول ﷺ بأُمّ حَرَام، ومعلوم أنّ خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية لا تجوز باتفاق العلماء كما سيأتي.
والثاني: أنّ في الحَدِيث-" ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ فَنَامَ" فهل يجوز للمرأة مس جسد الرجل الأجنبي؟ (١) .
وهذا الإشكال فرح به صنفان من أهل الأهواء:
فالصنف الأوَّل: اتخاذ هذا الحَدِيث حجة للطعن في أصح كتابين بعد كتاب الله "صحيح البخاري، وصحيح مسلم"، لفهمه السقيم أنّ في ذلك طعنًا في جناب المصطفى ﷺ.
والصنف الثاني: وهم أهل الشهوات الذين قَالَ الله فيهم ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (النساء:٢٧)، فأخذوا ما يوافق شهواتهم وأعرضوا عن ما يخالفها من صريح الكتاب والسنة.
_________
(١) وأنبه أن لفظة" النوم في الحجر" لم أجدها في أي رواية من روايات الحديث، وإنما وقفتُ عليها من قول ابن وهب، قَالَ ابن عبد البر: «وَقَالَ يونس بن عبد الأعلى قَالَ لنا ابن وهب: أمّ حَرَام إحدى خالات النبي ﷺ من الرضاعة فلهذا كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه» التمهيد (١/٢٢٦) .وانظر: فتح الباري (١١/٧٩) .
1 / 19
وهذان الصنفان ليس نظرهم في الدليل نظر المستبصر حتى يكونَ هواه تحت حكمه، بل نظر مَنْ حَكَمَ بالهوى ثم أتى بالدليلِ كالشاهدٍ له، وهذا شأنُ كلّ مبطل ممن يترك المحكم للمتشابه.
وعند التحقيق وتطبيق المنهج العلمي السليم في دراسة المسألة جمعًا ودراسةً يتبين أنه لا حجة للصنفين في الحَدِيث-كما سيأتي-.
وقد اشتمل الجواب عن هذين الإشكالين على مطالب:
* المطلب الأول: مقدمات عامة نافعة في مثل هذه الإشكالات التي ربما تَعرضُ في بعضِ الأحاديث.
* المطلب الثاني: مقدمات خاصة في الإجابة عن حَدِيث أُمّ حَرَام.
* المطلب الثالث: أجوبة أهل العلم والإيمان عن هذين الإشكالين.
* المطلب الرابع: وقفات حول هذه الشبهة في الحَدِيث.
1 / 20
المطلبُ الأوَّل: مقدماتٌ عامةٌ نافعةٌ في مثلِ هذه الإشكالات التي رُبما تَعرضُ في بعضِ الأحاديث
١- المقدمة الأولى في ذكر أربع قواعد، من قواعد الدين تدور الأحكام عليها
قَالَ الشيخُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْد الوهاب-﵀: «هذه أربعُ قواعد، من قواعد الدين، التي تدور الأحكام عليها، وهي: من أعظم ما أنعم الله به على مُحَمَّد ﷺ وأمته، حيث جعل دينهم دينا كاملا وافيا، أكمل وأكثر علما من جميع الأديان، ومع ذلك جمعه لهم في لفظ قليل، وهذا مما ينبغي التفطن له، قبل معرفة القواعد الأربع، وهو: أن تعلم قول النَّبِيّ ﷺ لما ذكر ما خصه الله به على الرسل، يريد منا أن نعرف منة الله علينا، ونشكرها، قَالَ لما ذكر الخصائص: (وأعطيت جوامع الكلم) (١) قَالَ إمامُ الحجاز: مُحَمَّدُ بن شهاب الزهري، معناه: أن يجمع الله له المسائل الكثيرة، في الألفاظ القليلة (٢) .
_________
(١) أخرجه: البخاريُّ في صحيحه، كتاب التعبير، بابٌ المفاتيح في اليد (٦/٢٥٧٣رقم٦٦١١)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، (١/٣٧١رقم٥٢٣) من حديث أبي هريرة ﵁.
(٢) أخرجه البيهقيُّ في شعب الإيمان (١/١٦١) ولفظُهُ قَالَ ابنُ شِهاب: وَبَلَغَني أنَّ جوامعَ الكلم أنَّ الله تعالى جَمَعَ له الأمورَ الكثيرةَ التي كانتْ تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين. وإسنادُهُ صحيحٌ.
وانظر للفائدة: فتح الباري (١٢/٤٠١)، عمدة القاري (٢٤/١٥١) .
1 / 21
القاعدة الأولى:
تحريم القول على الله بلا علم لقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ إلى قوله: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (الأعراف:٣٣) .
القاعدة الثانية:
أن كل شيء سكت عنه الشارع، فهو عفو، لا يحل لأحد أن يحرمه، أو يوجبه، أو يستحبه، أو يكرهه، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا (المائدة:١٠١) . وَقَالَ النَّبِيّ ﷺ: «وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها» (١) .
القاعدة الثالثة:
أن ترك الدليل الواضح، والاستدلال بلفظ متشابه، هو طريق أهل الزيغ،
_________
(١) أخرجه: الدارقطني في سننه، كتاب الرضاع (٤/١٨٤)، والحاكم في المستدرك، كتاب الأطعمة (٤/١٢٩)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الضحايا، باب ما لم يذكر تحريمه ولا كان في معنى ما ذكر تحريمه مما يؤكل أو يشرب (١٠/١٢) من طريق مكحول عن أبي ثعلبة الخشني ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ اللهَ حدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وفَرَضَ لكم فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربكم ولكن رحمة منه لكم فاقبلوها ولا تبحثوا فيها» .
قال ابنُ رَجَب: «هذا الحديثُ مِنْ رواية مكحول عن أبي ثعلبة الخشني، وله علتان إحداهما: أنَّ مكحولا لم يصح له السماع عن أبي ثعلبة كذلك قال أبومسهر الدمشقي، وأبو نعيم الحافظ وغيرهما، والثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول عن قوله» جامع العلوم والحكم (٢/٢٧٦) .
وقد توسع في الكلامِ عَلَى الحديثِ وشواهدهِ فلتراجع.
1 / 22
كالرافضة، والخوارج، قَالَ الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ (آل عمران:٧) . والواجبُ عَلَى المسلم: اتباع المحكم، فإنْ عَرَفَ معنى المتشابه، وجده لا يخالف المحكم بل يوافقه، وإلا فالواجب عليه اتباع الراسخين في العلم في قولهم: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا (آل عمران:٧) .
القاعدةُ الرابعة:
أنَّ النَّبِيّ ﷺ ذَكَرَ: «أنّ الحلالَ بَيّنٌ وَالحرامَ بَيّنٌ، وبينهما مشتبهات» (١)، فمن لم يفطنْ لهذه القاعدة، وأراد أنْ يتكلمَ عَلَى كلّ مسألةٍ بكلامٍ فاصلٍ، فَقد ضلّ وأضل.
فهذه أربعُ قواعد: ثلاثٌ ذَكَرَهَا اللهُ في كتابهِ، والرابعةُ ذكرها رسولُ الله ﷺ.
واعلمْ رَحِمَكَ الله: أنَّ أربعَ هذه الكلمات، مَعَ اختصارها، يدورُ عليها الدين، سواءً كان المتكلم يتكلمُ في علم التفسير، أو في علمِ الأصول، أو في علم أعمالِ القلوب، الذي يسمى علم السلوك، أو في علمِ الحَدِيث، أو في علمِ الحلال والحرام، والأحكام، الذي يسمى: علم الفقه; أو في علمِ الوعد والوعيد; أو في غير ذلك من أنواعِ علوم الدين» (٢) .
٢- المقدمة الثانية: ضرورةُ جمعِ الأحاديث الواردة في المسألة المستنبطة، ومراعاة قواعد وأصول الاستدلال التي وضعها الأئمة
والفقهاءُ المحققون إذا أرادوا بحث مسألة ما، جمعوا كل ما جاء في شأنها من
_________
(١) أخرجه: البخاريُّ في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه (١/٢٨رقم٥٢)، ومسلم في صحيحه، كتاب البيوع (٣/١٢١٩رقم١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير ﵁.
(٢) مجموعة مؤلفات الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب (٣/٦) .
1 / 23
الكتاب والسنة،، وأحسنوا التنسيق بين شتى الأدلة، قَالَ الشاطبي: «من يأخذ الأدلة من أطراف العبارة الشرعية ولا ينظر بعضها ببعض، فيوشك أن يزل، وليس هذا من شأن الراسخين وإنما هو من شأن من استعجل طلبا للمخرج في دعواه» (١) .
وَقَالَ أيضًا: «ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد: وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها، وعامّها المرتب على خاصّها، ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر بِبَيّنها، إلى ما سوى ذلك من مناحيها، -إلى أن قَالَ - فشأن الراسخين: تصور الشريعة صورة واحدة، يخدم بعضها بعضًا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة مثمرة، وشأنُ متبعي المتشابهات أخذ دليلٍ مَا أيّ دليل كان عفوًا وأخذًا أوليًا وإنْ كان ثم ما يعارضه من كلى أو جزئي، فكأن العضو الواحد لا يعطى في مفهوم أحكام الشريعة حكما حقيقيا، فمتبعه متبع متشابه، ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ ما شهد الله به ومن أصدق من الله قيلا» (٢) .
وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: «إذا ميّز العالم بين ما قاله الرسول ﷺ وما لم يقله، فإنه يحتاج أن يفهم مراده ويفقه ما قاله، ويجمع بين الأحاديث ويضم كل شكل إلى شكله، فيجمع بين ما جمع الله بينه ورسوله، ويُفرق بين ما فرق الله بينه ورسوله؛ فهذا هو العلم الذي ينتفع به المسلمون، ويجب تلقيه وقبوله، وبه ساد أئمة المسلمين كالأربعة وغيرهم» (٣) .
أما اختطاف الحكم مِنْ حَدِيثٍ عَابر، وقراءةٍ عَجلى مِنْ غير مراعاة لما وَرَدَ في
_________
(١) الأعتصام (١/٢٢٣) .
(٢) الأعتصام (١/٢٤٥) .
(٣) مجموع الفتاوى (٢٧/٣١٦) .
1 / 24