فأصبحوا عليه، فقال أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ: أَفِرَارًا من قَدَرِ اللَّه يَا عمر: قال لهُ عُمَرُ: لو غيرك قالها يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نعم نفر من قدر اللَّه إِلى قدر اللَّه، أرأيت لو كان لرجل إِبل في وَادٍ له عدوتان: إِحداهما خِصْبَة، والأخرى جَدْبة، أليس إن رعى الجَدبة رعاها بقدر، وَإن رَعَى الخِصْبَة رعاها بقدر اللَّه فاعترض عليه أَبُو عُبَيْدَة بالرأي وجاوبه عمر بالرأي، ولم يحتج أحدهما في ذلك بكتاب اللَّه ولا بِسُنَّة رسوله ﷺ ولا إِجماع ثم شاعت هذه القصة وذاعت، ولم يكن في المسلمين من أنكر على أحدهم القول بالرأي، وما أعلم أَنَّ مسألة يدعى بالإجماع فيها أثبت في حكم الإجماع من هذه المسألة.
فَصْلٌ
فإِذا ثبت أن القياس دليل شرعي، فإنَّه يصح أن يثبت به الحدود والكَفَّارات والمقدَّرات والأبدال.
وقال أَبُو حَنِيفَةَ: لا يجوز أن يثبت شيء من ذلك بالقياس، وما قاله ليس بصحيح؛ لأن الآية عامّة في الأمر بالاعتبار، فلا يجوز أن تخصَّ إِلا بدليل.
فَصْلٌ
العلة الواقعة عندنا صحيحة نحو علّة منع التفاضل في الدَّنانير والدراهم؛ لأنها أصول الأثمان وَقِيَم المُتْلِفَات.
وقال أصحاب أبي حَنِيفَةَ: ليست بصحيحة.
والدليل على ما نقوله إنَّ القياس أمارة شرعيَّة، فجاز أن تكون خاصَّة وعامَّة كالخبر.
فَصْلٌ
ذكر مُحَمَّدٌ بْنُ خُوَيْز مِنْدَاد أنَّ معنى الاستحسان (^١) الَّذِي ذهب إليه بعض أصحاب مالك ﵀ وهو القول بأقوى الدليلين، مثل تخصيص بَيع العَرَايا من بيع الرُّطَب بالتَّمر للسُنَّة الواردة في ذلك.
_________
(^١) انظر التعريف في الأحكام للآمدي ٤/ ١٣٦، نهاية السول ٤/ ٣٩٨، البحر المحيط للزركشي ٦/ ٨٧.
1 / 79