فَصْلٌ
ومما يلحق بذلك ويقرب منه عند كثير من الناس دليل الخطاب، وهو أن يعلّق الحكم على معنى في بعض الجنس، فيقتضي ذلك عند القائلين به نَفْيَ ذلك الحكم عمن لم يكن له ذلك المعنى من ذلك الجنس، نحو قوله ﷺ: "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ".
فيقتضي ذلك نفي الزكاة عن غير السَّائمة، فهذا النوع من الاستدلال يسمّى عند أهل النظر دليل الخطاب، وقد ذهب إِلى القول به جماعة من أصحابنا، وأصحاب الشافعي، ومنع منه جماعة من أصحابنا، وأصحاب الشافعي، وأَبُو حنيفة، وهو الصحيح، لأن تعليق الحكم بالصفة في بعض الجنس يفيد تعليق ذلك الحكم بما وجدت فيه تلك الصفة خاصة، ويبقى الباقي في حكم المسكوت عنه يطلب دليل حكمه في الشرع، يدلُّ على ذلك ما روى البُخَاريُّ عن الشَّيبَانِيِّ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي أَوْفَى: (نهى رسول اللَّه ﷺ عن الجَرِّ الأخْضَرِ قلت: أَشْرَبُ في الأَبْيَضِ؟ قال: لا) (^١).
فوجه الدليل: منه أنه نصّ على الجَرِّ الأخضر، ثم ذكر أن حكم الأبيض حكمه، وهو من أهل اللسان.
ولو جاز التعليق بدليل الخطاب لوجب أن يحكم له بالمخالفة، وإن تعلّق الحكم بالجَرِّ الأخضر خاصّة.
بَابُ أَحْكَامِ الْقِيَاسِ
وأما الضرب الرابع من معقول الأصل، فهو معنى الخطاب، وهو القياس، وَحَدُّهُ: حَمْلُ أحد المعلومين على الآخر في إثبات حكم، أو إسقاطه بأمر جامع بينهما، وهو دليل شرعي عند جميع العلماء.
وقال دَاوُدُ: يجوز التعبُّد به من جهة العقل، إِلا أن الشرع منع منه.
والدليل على ما ذهب إِليه جماعة أهل العلم قوله ﷿: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر: الآية ٢].
_________
(^١) أخرجه البخاري ١٠/ ٦٠.
1 / 76