وأما أنهم كانوا يعلمون أن أمره -عليه السلام- يبطل بالمعارضة؛ فلأنه -عليه السلام- قد كان يصرح بذلك، ولأن كل عاقل يعلم أن كل من ادعى التميز على غيره لمكان أمر يأتي به فإن دعواه تبطل عند الإتيان بمثل ما أتى به.
وأما أنهم لو قدروا على المعارضة لفعلوها؛ فلأنا نعلم بالضرورة أن من توفرت دواعيه إلى الشي، ولا صارف له عنه، وغير ممنوع منه، وهو قادر عليه فإنه يمنعه لا محالة حتى إن لم يفعله، فإنه غير قادر عليه.
فإن قيل: إنهم اشتغلوا عن المعارضة بالقتال؟
قلنا: ليس أحد من العقلاء يؤثر الأمر الصعب على الأمر السهل، (فلما عدلوا إلى المحاربة الشاقة الصعبة التي لا تدل على صحة صحيح ولا بطلان باطل، دل ذلك على عجزهم عن معارضة القرآن فثبت) بتقرير هذه الأصول (أنه معجز دال على نبوة النبي )، وهذا هو الأصل الثامن، وذلك لحصول حقيقة المعجز فيه، وهو كونه ناقضا لعادتهم في الفصاحة ومتعلقا بدعوى النبوة، وبهذا التقرير تم الأصل الأول.
وأما الأصل الثاني: وهو أن كل من ظهر المعجز على يديه عقيب دعوى النبوة فهو نبي صادق، وذلك لأن المعجز يجري مجرى التصديق بالقول لمن ظهر على يديه، وتصديق الكاذب كذب، والكذب قبيح، والله لا يفعل القبيح، فإذا بطل أن يكون من ظهر المعجز على يديه كاذبا ثبت أنه صادق إذ لا واسطة بينهما.
وأما احتجاج اليهود بقول موسى: (شريعتي لا تنسخ أبدا وتمسكوا بالسبت أبدا)، فإنها رواية مغمورة آحادية لاينبغي التعويل عليها فلا تقاوم الأدلة القطعية، وإن سلمنا أنها صحيحة قطعية، فإنه يصح نسخ ما قيد بالتأبيد وقد نسخها بقول الله تعالى: {قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}[الأعراف:158] وغير ذلك من الآيات الظاهرة، وإذا تظاهرت الأدلة على نبوته (ثبت بهذه الجملة أن محمدا نبي صادق).
Page 88