وأما غير المميزين كالكرامية والحنابلة وبعض أهل الحديث، فيعترفون بأن القرآن هو هذه الحروف والأصوات المسموعة، ويدعون أنه قديم، (والذي يدل على) بطلان قولهم في (ذلك) من جهة العقل: (أنه مرتب منظوم في الوجود يوجد بعضه في أثر بعض)، فوجب القطع بأنه محدث، (و) ذلك لأن (المرتب على هذا الوجه يجب أن يكون محدثا وذلك ظاهر)، فإن الألف من الحمد متقدم على اللام، واللام على الحاء وكذلك سائره، وكل ما تقدمه غيره فهو محدث، وكذلك ما يتقدم على المحدث بأوقات محصورة فهو محدث، (وقد) جاء بتأييد ذلك الكتاب، ف(قال تعالى:{ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون})[الأنبياء:2] (و) مثله ما (قال تعالى: {ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث})[الشعراء: 26] ولا شك أن المراد بالذكر القرآن بدليل: { إلا استمعوه وهم يلعبون}، وقوله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[الحجر:9] وقوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه}[الأنبياء: 21]، وقوله: {إن هو إلا ذكر وقرآن مبين}[يس: 69]، ومثل: {وإنه لذكر لك ولقومك}[الزخرف:44] وغير ذلك، والسبب في قوله تعالى: {ما يأتيهم} الآية، يشهد بذلك؛ لأنهم كانوا يلعبون ويلغون عند نزول القرآن وتلاوته، وقال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها}[الزمر:23] فوصفه بأنه منزل، والقديم لا يصح عليه النزول، ووصفه بالحسن والحسن من صفات الأفعال، ووصفه بالحديث، والحديث نقيض القديم باعتبار أصل وضعه، وإن كان المراد به في الآية الكلام، لكنه لم يسم حديثا إلا لكونه محدثا فيدل على حدوثه، وقال تعالى: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة}[الأحقاف:12] ردا على الذين قالوا: هذا إفك قديم. وما كان قبله غيره فهو محدث.
Page 81