فالذي عليه أهل العدل بل جميع الفرق المقرة بنبوة محمد : أنه كلام الله ووحيه، وتنزيله، أي: كلامه عرفا لا لغة؛ لأن المتكلم لغة: المحدث للكلام والمتفوه، به ومخرجه من العدم إلى الوجود، والمتلو ليس كذلك بل المحدث له والمتكلم هو المتفوه به، وهو الذي يمدح على قراءته ويذم ويثاب ويعاقب بحسب اختلاف الأحوال.
والمتكلم في العرف: من كان أنشأ ذلك الكلام ونظم ألفاظه، وإن احتذى غيره على ذلك ونطق به كما نطق به المبتدئ وذلك ظاهر، وخالف في ذلك الأشعرية والكلابية والمطرفية والباطنية، فهؤلاء جميعا قالوا: إن هذا القرآن ليس بكلام الله لا لغة ولا عرفا، ثم افترقوا فقالت الأشعرية: كلام الله معنى قديم قائم بذاته والمتلو عبارة عنه، ومثله قالت الكلابية إلا أنهم بدلوا لفظة قديم بأزلي، ولفظ العبارة بالحكاية، وقالت المطرفية: بل كلام الله صفة قائمة بقلب ملك يقال له: ميخائيل، وبعضهم قال: إن الله أجبر الملك عليه، وبعضهم قال: إن الملك صفت طبيعته وخلصت جوهريته، فاستنبط القرآن، والذي بيننا حكاية ذلك، وقالت الباطنية: هو كلام الرسول حصلت معانيه بالفيض في النفس الكلية إلى نفسه الجزئية فصاغ هذا القرآن وهو لفظه، (والدليل على ذلك) الذي ذهب إليه أهل العدل: أن المعقول هو هذه الحروف والأصوات، بدليل أن من علمها وصفها بأنها كلام وإن جهل المعنى النفسي، ومن جهلها لم يصفها بأنها كلام، وإن علم المعني النفسي.
وأيضا فإن كلامه تعالى لا يخلو إما أن يكون من جنس الكلام المعقول فيما بيننا وهو أن يتركب من جنس الأصوات والحروف أو مخالفا لذلك.
فإن كان من جنس الأصوات والحروف فلا شبهة في حدوثه، وإن كان مخالفا لذلك لم يصح أن يكون كلاما وأن يفهم منه شيء، فالمثبت لكلام مخالف للكلام المعقول فيما بيننا، فإنه في حكم من يثبت جسما مخالفا للأجسام المخالفة للمعقول فيما بيننا، ويثبت مع الله تعالى جسما قديما مخالفا لسائر الأجسام.
Page 79