وقال أيضا: وأوجز من هذه الحقيقة ما ذكره المؤيد بالله والحاكم في حقيقة الظلم فقالا: حقيقة الظلم: هو الضرر القبيح، والدليل على أن ذلك الضرر ظلم، أن من علم ضررا هذا حاله علمه ظلما، ومن لم يعلمه بهذه الصفة لم يعلمه ظلما، (والظلم قبيح) بدليل أن القبح وعدمه يدور على العلم بكونه ظلما وجورا وعدما، (والله تعالى لا يفعل القبيح)، وقد جاء السمع بتصحيح ما ذكرنا (قال تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}[النجم:38] {ولا يظلم ربك أحدا}[الكهف:49]، {فكلاأخذنا بذنبه}[العنكبوت:40] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عدله وحكمته، وبهذا نستدل على أن الله تعالى لا يعذب أطفال المشركين لفعل آبائهم القبائح.
(وأما أنه تعالى لا يفعل القبيح فقد تقدم بيانه)، وتقدم
الدليل عليه (فثبت بذلك أن الله لا يثيب أحدا إلا بعمله، ولا يعاقبه إلا بذنبه).
(المسألة السادسة عشرة) أن الله تعالى يريد الطاعات ولا يريد الظلم وسائر القبائح
واعلم: أن عادات المصنفين في علم الكلام تختلف في ذكر إرادة الله وكراهته وما يريده وما يكرهه، فمنهم من يذكر جميع ذلك في باب التوحيد؛ نظرا إلى أن كونه تعالى مريدا أو كارها من صفاته الثابتة وأحواله التي تستحقها ذاته، وذكر ما يريده وما يكرهه من فروع ذلك ولواحقه.
ومنهم من يذكر ذلك جميعه في باب العدل نظرا إلى أن مقتضى العدل والحكمة أن يريد الطاعات ويكره المعاصي ، وأن خلاف ذلك ينافي الحكمة، وإذا عرفت ذلك فقد ذهب أهل العدل إلى أن الله تعالى مريد لجميع أفعاله ما خلى الإرادة والكراهة، وأنه تعالى مريد لجميع الطاعات من أفعالنا ما حدث منها ومالم يحدث، و(أنه لا يريد الظلم ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد).
Page 72