329

فأومأ إلي بالجلوس فلم أجلس رعبا، ونظرت فإذا عمرو بن عبيدة عنده، فرجع إلي ذهني حين رأيته ثم سلمت ثانيا ثم جلست، فعلم إني رعبت(1) منه فقال لي: ادن مني، فقمت ودنوت منه، فشم مني رائحة الحنوط فقال: ويلك يا ابن مهران لتصدقني أمرك وإلا أمرت بك(2)، فقلت: سل والله لا اكذبك.

فقال: ويحك ما هذا الحنوط، وما حدثتك به نفسك حتى فعلت هذا؟ فقلت: يا أمير المؤمنين الصدق أنجا، وأخبرته بجميع ما خطر ببالي، وما حدثت نفسي به حتى لبست كفني، وودعت قومي وصيتي(3)، فلما سمع كلامي وثبت في نفسه صدقي قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فلما سمعت حوقلته سكن روعي، وذهب بعض ما بي لما أعرف من سطوته.

ثم قال: يا سليمان أخبرني كم تروي حديثا في فضائل علي (عليه السلام)، قلت: عشرة آلاف حديث، فقال: والله لاحدثنك بحديثين في فضل علي (عليه السلام)، إن يكونا مما سمعت ورويت فعرفني وإلا فاروهما عني، قلت: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: إني أيام كنت هاربا من بني مروان لا تسعني منهم بلد، ولا تحويني دار ولا ينالني قرار، كلما دخلت بلدا خالطت(4) أهل ذلك البلد فيما يحبون لأنال من نفعهم بما يطعموني ويزودوني إذا خرجت إلى بلد آخر، حتى قدمت بلاد الشام متنكرا وعلي كساء لا يواريني غيره، فبينا أنا أدور إذ سمعت الأذان في المسجد، فدخلت ذلك المسجد وركعت ركعتين، واقيمت(5) الصلاة فصليت معهم العصر،

Page 335