وأبو بكر على المنبر وعمر دونه بمرقاة، فناداهما من ناحية المسجد: يا أبا بكر ويا عمر، فقالا: وما لك يا بريدة أجننت؟ فقال لهما: والله ما جننت ولكن أين سلامكما بالأمس على علي بإمرة المؤمنين؟
فقال له أبو بكر: يا بريدة الأمر يحدث بعده الأمر، وانك غبت وشهدنا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فقال لهما: رأيتما ما لم يره الله ولا رسوله، وفى لك صاحبك(1) بقوله: ولو فقدنا محمدا لكان هذا قوله تحت أقدامنا، ألا ان المدينة حرام علي أن أسكنها أبدا حتى أموت.
فخرج بريدة بأهله وولده، فنزل بين قومه بني أسلم، فكان يطلع في الوقت دون الوقت، فلما قضى الأمر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) سار إليه وكان معه حتى قدم العراق، فلما اصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) صار إلى خراسان، فنزلها ولبث هناك إلى أن مات رحمه الله.
قال حذيفة: فهذا أنباء ما سألتني عنه، فقال الفتى: لا جزى الله الذين شهدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعوه يقول هذا القول في علي خيرا، فقد خانوا الله ورسوله، أزالوا الأمر عمن رضيه الله ورسوله، وأقروه فيمن لم يره الله ولا رسوله لذلك أهلا، لا جرم والله لن يفلحوا بعدها أبدا.
فنزل حذيفة عن منبره فقال: يا أخا الأنصار ان الأمر كان أعظم مما تظن، انه عزب والله البصر، وذهب اليقين، وكثر المخالف، وقل الناصر لأهل الحق، فقال له الفتى: فهلا انتضيتم أسيافكم، ووضعتموها على رقابكم، وضربتم بها الزائلين عن الحق قدما حتى تموتوا أو تدركوا الأمر الذي تحبونه من طاعة الله عزوجل وطاعة رسوله؟ فقال: يا أيها الفتى انه أخذوا(2) بأسماعنا وأبصارنا، وكرهنا الموت،
Page 191