نَقْلًا آحَادِيًا، كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ أَسَانِيدَ هَؤُلَاءِ الْقُرَّاءِ لِقِرَاءَاتِهِمْ، وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ القرءات مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ، وَفِيهَا مَا هُوَ آحَادٌ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِتَوَاتُرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ السَّبْعِ، فَضْلًا عَنِ الْعَشْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَأَهْلُ الْفَنِّ أَخْبَرُ بِفَنِّهِمْ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ الشَّرِيفُ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ الْمَشْهُورُونَ فَهُوَ قُرْآنٌ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَإِنِ احْتَمَلَ رَسْمُ الْمُصْحَفِ قِرَاءَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ مَعَ مُطَابَقَتِهَا لِلْوَجْهِ الْإِعْرَابِيِّ. وَالْمَعْنَى الْعَرَبِيِّ، فَهِيَ قُرْآنٌ كُلُّهَا. وَإِنِ احْتَمَلَ بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ صَحَّ إِسْنَادُ مَا لَمْ يَحْتَمِلْهُ، وَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلْوَجْهِ الْإِعْرَابِيِّ، وَالْمَعْنَى الْعَرَبِيِّ، فَهِيَ الشَّاذَّةُ، وَلَهَا حُكْمُ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَدْلُولِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا.
وَأَمَّا مَا لَمْ يَصِحَّ إِسْنَادُهُ مِمَّا لَمْ يَحْتَمِلْهُ الرَّسْمُ فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَلَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ الْآحَادِ.
أَمَّا انْتِفَاءُ كَوْنِهِ قُرْآنًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ الْآحَادِ، فَلِعَدَمِ صِحَّةِ إِسْنَادِهِ، وَإِنْ وَافَقَ الْمَعْنَى الْعَرَبِيَّ وَالْوَجْهَ الْإِعْرَابِيَّ فَلَا اعْتِبَارَ بِمُجَرَّدِ الْمُوَافَقَةِ، مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أحرف١، وصح عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى أَقْرَأَنِي عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ"٢.
وَالْمُرَادُ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ: لُغَاتُ الْعَرَبِ، فَإِنَّهَا بَلَغَتْ إِلَى سَبْعِ لُغَاتٍ، اخْتَلَفَتْ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ، وَاتَّفَقَتْ فِي غَالِبِهَا، فَمَا وَافَقَ لُغَةً مِنْ تِلْكَ اللُّغَاتِ، فَقَدْ وَافَقَ الْمَعْنَى الْعَرَبِيَّ وَالْإِعْرَابِيَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُحْتَاجَةٌ إِلَى بَسْطٍ تَتَّضِحُ بِهِ حَقِيقَةُ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ أَفْرَدْنَاهَا بِتَصْنِيفٍ٣ مُسْتَقِلٍّ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي هَذَا الْبَحْثِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ بين القراء في