Iqtisad
الاقتصاد في الاعتقاد
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٤ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
Creeds and Sects
فلنرجع إلى اللفظ فنقول: معلوم أن ما فيه ضرر قريب محتمل لا يسمى واجبًا؛ إذ العطشان إذا لم يبادر إلى شرب الماء تضرر تضررًا قريبًا ولا يقال إن الشرب عليه واجب. ومعلوم أن ما لا ضرر فيه أصلًا ولكن في فعله فائدة لا يسمى واجبًا، فإن التجارة واكتساب المال والنوافل فيه فائدة ولا يسمى واجبًا، بل المخصوص باسم الواجب ما في تركه ضرر ظاهر فإن كان ذلك في العاقبة أعني الآخرة، وعرف بالشرع فنحن نسميه واجبًا، وإن كان ذلك في الدنيا وعرف بالعقل فقد يسمى أيضًا ذلك واجبًا، فإن من لا يعتقد الشرع قد يقول واجب على الجائع الذي يموت من الجوع أن يأكل إذا وجد الخبز ونعني بوجوب الأكل ترجح فعله على تركه بما يتعلق من الضرر بتركه، ولسنا نحرم هذا الاصطلاح بالشرع فإن الاصطلاحات مباحة لا حجر فيها للشرع ولا للعقل، وإنما تمنع منه اللغة إذا لم يكن على وفق الموضوع المعروف فقد تحصلنا على معنيين للواجب ورجع كلاهما إلى التعرض للضرر وكان أحدهما أعم لا يختص بالآخرة، والآخر أخص وهو اصطلاحنا، وقد يطلق الواجب بمعنى ثالث وهو الذي يؤدي عدم وقوعه إلى أمر محال، كما يقال: ما علم وقوعه فوقوعه واجب، ومعناه أنه إن لم يقع يؤدي إلى أن ينقلب العلم جهلًا وذلك محال، فيكون معنى وجوبه أن ضده محال، فليسم هذا المعنى الثالث الواجب.
وأما الحسن فحظ المعنى منه أن الفعل في حق الفاعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها أن توافقه أي تلائم غرضه، والثاني أن ينافر غرضه، والثالث أن لا يكون له في فعله ولا في تركه غرض. وهذا الانقسام ثابت في العقل؛ فالذي يوافق الفاعل يسمى حسنًا في حقه ولا معنى لحسنه إلا موافقته لغرضه، والذي ينافي غرضه يسمى قبيحًا ولا معنى لقبحه إلا منافاته لغرضه، والذي لا ينافي ولا يوافق يسمى عبثًا أي لا فائدة فيه أصلًا، وفاعل العبث يسمى عابثًا وربما يسمى سفيهًا، وفاعل القبيح أعني الفعل الذي ينضر به يسمى سفيهًا واسم السفيه أصدق منه على العابث، وهذا كله إذا لم يلتفت إلى غير الفاعل أو لم يرتبط الفعل بغرض غير الفاعل، فإن ارتبط بغير الفاعل وكان موافقًا لغرضه سمي حسنًا في حق من وافقه وإن كان منافيًا سمي قبيحًا، وإن كان موافقًا لشخص دون شخص سمي في حق أحدهما حسنًا وفي حق الآخر قبيحًا إذ اسم القبيح والحسن بأن الموافقة والمخالفة، وهما أمران إضافيان، مختلفان بالأشخاص ويختلف في حق شخص واحد بالأحوال ويختلف في حال واحد بالأعراض؛ فرب فعل يوافق الشخص من وجه ويخالفه من وجه فيكون حسنًا من وجه قبيحًا من وجه، فمن لا ديانة له
1 / 90