ومهما كان الإنسان آمنا في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه وليلته فحزنه وغمه وكدره بسبب أمر الدنيا علامة على نقصان عقله وجهله وحماقته، فإن ذلك لا يخلو إما أن يكون تأسفا على ما مضى أو خوفا من مستقبل أو حزنا على سبب حاضر في الحال.
فإن كان على فائت، فالعاقل بصير بأن الجزع والحزن على ما فات لا يلم شعثا ولا يرم ما انتكث.
وما لا حيلة فيه فالغم والهم عليه جهل؛ ولذلك يقول الله جل وعلا وتقدس: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم}.
وقال الشاعر:
ولا يرد عليك الفائت الحزن
وقال الآخر:
وهل جزع مجد علي فأجزع
وإن كان تأسف على حاضر، فإما أن يكون حسدا لوصول نعمة إلى من يعرفه أو يكون حزنا للفقر وفقدان المال والجاه وأسباب الدنيا.
وسبب هذا الجهل بغوائل الدنيا وتقلباتها وسمومها وأكدارها.
ولو عرفها حق معرفتها لشكر الله قائما وقاعدا وماشيا على كونه من المخفين دون المثقلين.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
إذا ما كان عندي قوت يوم ... طرحت الهم عني يا سعيد
ولم تخطر هموم غد ببال ... لأن غدا له رزق جديد
عن ابن عباس وعمران بن الحصين - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء» الحديث متفق عليه.
Page 33