زعم أنه لا يقول هنا: شحما تفقأت، ولا عرقا تصببت على حد قوله: تصببت عرقا، وتفقأت شحما، وأنه لا يجيز التقديم في شيء من التمييز البتة، وقد أجاز في الحال التقديم إذا كان العامل فعلا، وإنما الحال عنده وعند غيره بمنزلة التمييز، فيلزمه على هذا أن يجيز تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا، وإلا ترك قوله في الحال، وأبو عثمان يجيز التقديم إذا كان العامل فعلا، وجاء في الشعر تصديق هذا القياس، وهو قوله:
أتهجر ليلى للفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب
قال أحمد: وإنما منع سيبويه تقديم التمييز في هذه المسألة وأشباهها، لأن لفظها جاء على غير معناها، وذلك أن اللفظ لفظ المفعول، وهو في المعنى فاعل، لأنك إذا قلت: زيد حسن وجها، فالحسن في المعنى للوجه، وكذلك تصببت عرقا، إنما التصبب في المعنى للعرق، فلما كان معناه على غير لفظه لم يجز تصرفه وكان أصعب مما لفظه على معناه، ولم يمنع سيبويه من إجازة ذلك في الشعر فيكون هذا البيت حجة عليه، بل ليس يوجد كثيرا في الشعر.
وأما قوله "إنه" ترك قياسه في الحال، لأنه شبه الحال بالتمييز، فليست الحال مشبهة للتمييز في كل حال، وإنما شبهها به في أن الحال لا تكون إلا نكرة كما أن التمييز لا يكون إلا نكرة، وإلا فالحال مخالف للتمييز في معان كثيرة: أحدها ما ذكرناه من أن معناها على الفظها، والفعل العامل فيها لفاعله لا لها، وليس هو في التمييز كذلك، فعمل الفعل فيها أقوى
1 / 86