الكلام هكذا من غير ضرورة لحقتكم؟ أو يكذب سيبويه في روايته، وهو عنده بخلاف هذه الحال، وإذا كان غير مكذب عنده فيما يرويه، وكانت العرب غير مدفوعة عما تقوله مضطرة بالوزن أو غير مضطرة، فعلى النحوي أن ينظر في علته وقياسه، فإن وافق قياسه وإلا رواه على أنه شاذ عن القياس، ولم يكن للاحتجاج بالضرورة وغيرها معنى، إذا كان الناقل ثقة.
فأما قوله: والفرزدق لغته رفع الخبر مؤخرا فكيف ينصب مقدما؟ فليس ذلك بحجة، لأن الرواة عن الفرزدق وغيره من الشعراء قد تغير البيت على لغتها، وترويه على مذاهبها مما يوافق لغة الشاعر ويخالفها، ولذلك كثرت الروايات في البيت الواحد، ألا ترى أن سيبويه قد يستشهد ببيت واحد لوجوه شتى، وإنما كذلك على حسب ما غيرته العرب بلغاتها، لأن لغة الراوي من العرب شاهد كما أن قول الشاعر شاهد إذا كانا فصيحين، فمن ذلك ما أنشده سيبويه لزهير:
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا
ورواه أيضا، ولا سابقا شيئا، في مواضع أخر، وكذلك أنشد قول الأعور الثني:
فليس بآتيك منهيها ... ولا قاصر عنك مأمورها
1 / 55