وأما الجواب عن قوله: إن الكفار مبرؤون من ابتداع الكفر والضلال فنقول: هم غير مبرئين عن اكتسابه، بل وقع منهم باختيارهم غير مجبرين عليه، والأمر والنهي والذم ينصرف إلى اكتسابه (^١) الذي أقدروا عليه، وأما ابتداعه وخلقه فهم يعجزون عما لم يقدرهم الله عليه ولم يرده منهم، كما يعجزون عن خلق أجسامهم وألوانهم، وما وقع من كسبهم بذلك فبإرادة الله وقع ذلك منهم قال الله سبحانه ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ (^٢).
وأما قوله: نهاهم عن شيء أوجده فيهم، فنقول: نهاهم عما لم يجبرهم على إيجاده فيهم وعما لا يستحيل منهم تركه بتوفيقه لهم، ولكن التوفيق منه لهم بالترك تفضل منه وإنعام غير واجب عليه فعله، وله ترك التفضل والإنعام، ولا يسمى بترك ذلك بخيلًا ولا جائرًا، لأن البخيل من ترك فعل ما توجب عليه، والجائر من فعل غير ما أمر به وحد له.
وأما قوله: عذبهم على أمر حتمه عليهم، فنقول له: إن أردت بقولك حتمه عليهم أمرهم به أو (^٣) أوجبه عليهم فلسنا نقول ذلك، وإن أردت بذلك كتبه وقدره عليهم فكذا نقول، ولم نقل إلا كما قال الله سبحانه ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ﴾ (^٤) الآية، ولو خلقهم وعذبهم ابتداءًا من غير عمل منهم لم يكن ظالمًا لهم ولا مستحقًا اسم الجور ولا خارجًا عن الحكمة، كما أنه خلق أطفالًا وخلق فيهم آلاما وعاهات، الجذام (^٥)، والبرص (^٦)، وقطع أو صالهم بذلك من غير ذنب سبق منهم، وكان قادرًا