302

Intisar

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

الإستدارك الأول: قولهما: إن الشك من قبيل الظنون، وهذا فاسد لوجوه ثلاثة:

أما أولا: فلأن الشك من قبيل التصور وهو العلم بحقائق الأشياء وماهياتها والكف عن اعتقاد شيء من أحكامها كما مر تقريره، والظن جنس برأسه ليس من قبيل الاعتقاد والتصور.

وأما ثانيا: فلأن الظن لا حكم له في جلب النفع ودفع الضرر، إلا إذا كان صادرا عن الأمارات، فإن لم يصدر عنها كان لاحقا بالظنون السوداوية التي لا يعول عليها عاقل، بخلاف الشك فإنه لا يفتقر إلى أمارة؛ لأنه في الحقيقة كف عن الحكم على الشيء بنفي أو إثبات فلا يفتقر إلى أمارة من أجل ذلك.

وأما ثالثا: فلأن الظنون الصادرة عن الأمارات يعول عليها في جميع التصرفات العرفية في جلب المنافع ودفع المضار، وعليه تبتني أكثر الأحكام الشرعية في العبادات والعادات والمعاملات، والشك لا يرد في هذه الموارد ولا يعول عليه في شيء من الأحكام بحال. فحصل من مجموع ما ذكرناه مخالفة الشك للظن في حكمه ولفظه، فكيف يقال: إنه من قبيل الظنون!.

الاستدراك الثاني: قولهما: إن الظنون منقسمة إلى ثلاثة. وهذا فاسد لأمرين:

أما أولا: فلأن من حق مورد التقسيم أن يكون شاملا لجميع الأقسام ليصح تقسيمها عليه، ولهذا فإنه يقال: الحيوان ينقسم إلى إنسان وفرس، ولا يقال: الحيوان ينقسم إلى إنسان وحجر، لما كان مورد القسمة وهو قولنا: الحيوان، ليس شاملا لقولنا: حجر ولا هي مندرجة تحته، فيبطل التقسيم لعدم اندراجها تحته، فلما كان الشك غير داخل في حقيقة الظن ولا يطلق عليه اسمه، بطل تقسيمه عليه لعدم اندراجه تحته، ونزل ذلك منزلة من يقول: العلم منقسم إلى: نظري وظني، فلما كان هذا باطلا فهكذا ما ذكراه من التقسيم، ولكن يقال: العلم منقسم إلى: نظري وضروري لا غير.

وأما ثانيا: فلأن الظن حقيقة مغايرة للشك ومخالفة له في لفظه ومعناه كما أشرنا إليه، وما هذا حاله فلا يقال بأنه أحد أنواع الظن وقسم من أقسامه. ومن العجب أنهما لقباه بالظن المطلق وجعلاه أول أقسام الظن الوارد على المكلف، وبينهما من المغايرة والمخالفة في الحقائق واللوازم والألفاظ ما لا يخفى، وفي ذلك ضعف ما قالاه وسقوطه.

Page 307