Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
قلنا: إن صح ما ذكرتموه، فالخلاف بيننا في المسألة مرتفع، إذ لا صورة له على ما ذكرتموه، إنما يتصور في الأنهار والسيول فإنه لا يتصور فيه الغصب، فأما ما أحرز في القرب والكيزان والصحاف وغير ذلك من الآنية، فإنه يكون مملوكا لصاحبه ولمن أحرزه، يعقل فيه الغصب ويجب فيه الضمان بالمثل، فلو توضأ متوضئ بما هذا حاله من غير إذن مالكه، جاء الخلاف في المسألة. والله أعلم بالصواب.
مسألة: في التفريع، واعلم أن هذه المسألة يتفرع عليها فروع أربعة:
الفرع الأول منها: من توضأ بماء وكان عنده أنه مغصوب، فكان مباحا أو ملكا له، فهل يجزيه الوضوء أم لا؟ فيه مذهبان:
أحدهما: أنه يكون مجزيا له، وهذا هو الذي ذكره السيدان: أبو الحسن الحقيني (¬1)، وأبو عبدالله الجرجاني (¬2).
والحجة على ذلك: هو أن التعويل في الأمور على الحقائق دون الأمور العارضة، ولا شك أن أصل هذا الماء هو على الإباحة فلا جرم كان مجزيا.
وثانيهما: أنه غير مجز له وهذا هو الذي ذكره المؤيد بالله، ومحكي عن المنصور بالله.
والحجة على ذلك: هو أنه توضأ بماء وعنده أنه منهي عن استهلاكه، فإقدامه على التوضؤ به وهو على هذه الصفة يؤثر في كونه قربة؛ لإقدامه واعتقاده للمعصية، فلا يكون مجزيا له كما لو كان مغصوبا على جهة الحقيقة.
والمختار: ما عول عليه الإمامان: الحقيني والجرجاني، من جهة أن التعويل إنما هو على حقائق الأمور وأصولها ولا تعويل على ما يعرض من الاعتقادات التي لا حقيقة لها، ومن جهة أن الظواهر الشرعية كلها دالة على صحة التوضؤ بما ذكرناه من هذا الماء، وعروض الاعتقاد من جملة الجهالات فلا يلتفت إليه، ونهاية الأمر فيه أن يكون آثما باعتقاده لكونه معصية، ومعصيته بما هذا حاله لا تطرق خللا في أصل وجوبه مع كونه جاريا على نعت الصحة.
Page 273