Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
وأما الكلام على المعيار للمذهب الثاني في حد الكثير بما لا يستوعب في مجرى العادة شربا وتطهرا والقليل بخلافه. فاعلم أنما قالوه يضعف لأمرين:
أما أولا : فإن ردوه إلى عدد مقدر فهو تحكم لا مستند له ولا دلالة عليه، وإن ردوه إلى أمر مبهم فهو رد إلى عماية، فإن العادة فيما هذا حاله مختلفة في السفر والحضر فلا يعول على ما ذكروه.
وأما ثانيا: فإن الطرفين واضحان، فما يكفي مائة ألف يكون كثيرا لا محالة، وما يكفي الواحد والاثنين قليل بلا مرية، وما بين هذين الطرفين وسائط كثيرة ومراتب متفاوتة فلا يختص بعضها دون بعض إلا بدلالة ظاهرة وأمارة قوية، وما قالوه ليس يرشد إليها، فيحصل من مجموع ما ذكرناه أن ماعولوا عليه معيار مضطرب لا يعول عليه في إثبات المميز بين قليل الماء وكثيره.
وأما الكلام على المعيار للمذهب الثالث في حد الكثير بما لا يغلب على الظن أن النجاسة مستعملة باستعماله، والقليل بخلافه، فاعلم أن ما قالوه وإن كان أسد من الذي قبله وأدخل في الضبط والحصر وأكثر تأدية للمقصود، فإنه غير منفك عن نظر من وجهين:
أما أولا: فلأن طهارة الماء ونجاسته صفتان تختصان بالماء فلا يجوز تعليقهما بظن المستعمل للماء، فأحدهما بمعزل عن الآخر، فلا يجوز أن يجعل ظن المستعمل للماء سببا في المميز بين قليل الماء وكثيره؛ لمجانبته للغرض وميله عن المقصود.
وأما ثانيا: فلأن ما ذكروه من الظن يختلف باختلاف الظانين، ولهذا فإن من الناس من ظن أن ما دون القلتين قليل والقلتان كثير، ومنهم من قال: إن القلتين في أنفسهما قليل وما فوقهما قد يكون قليلا وقد يكون كثيرا، فمراتب الظنون في مثل هذا مختلفة جدا فلا يجوز أن [تكونا] فاصلا بين قليل الماء وكثيره.
Page 228