Intisar
الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
Genres
المقدمة الثالثة: في تصويب الآراء في المسائل الخلافية والأنظار الاجتهادية
واعلم أن هذه المقدمة لابد للفقية الخالي من علم الأصول من إحرازها والإحاطة بها لأوجه ثلاثة:
أما أولا: فلأن يعلم فضل هذا الرسول ، على غيره من الأنبياء بما خصه الله تعالى بمالم يخص به غيره من الرسل، وفضل هذه الشريعة على غيرها من سائر الشرائع المتقدمة باتساع طرقها وامتداد أطرافها، وفضل هذه الأمة على غيرها من الأمم السابقة بأن جعلهم حاكمين في كل حادثة بأنظارهم الثاقبة، وفاصلين في كل قضية بمواد فكرهم الصائبة.
وأما ثانيا: فلئلا (¬1) يستوحش الناظر لما يرى من كثرة الخلاف في كل مسألة من المسائل الاجتهادية، فإذا تحقق أنها كلها صائبة هان عليه الأمر ولم يعظم عليه الخطب فيبقى في حيرة من أمره، فإذا عرف أنها كلها على الحق زال عنه الخوف وزاح عنه الطيش والفشل.
وأما ثالثا: فلئلا يستعجل إلى تخطئة من يخالفه في المسالك، فيحكم له بخطأ أو بهلاك من غير بصيرة، ومع إدراك هذه الخصلة أعني معرفة التصويب لا يستعجل بهلاك من يخالفه، وكيف يقع الهلاك والآراء كلها صائبة وكلها حق وصواب، وهذا من فضل الله ورحمته وعظيم منته على الخلق وجزيل نعمته.
فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن كل مسألة ليس فيها دلالة قاطعة فالأمة فيها فريقان:
الفريق الأول: قائلون بأن الواقعة ليس فيها حق معين، وأن الآراء كلها حق وصواب، فهؤلاء هم المصوبة، أئمة الزيدية والجماهير من المعتزلة والمحققون من الأشعرية، وعليه جمهور الفقهاء أبوحنيفة والشافعي ومالك (¬2) وأتباعهم.
ثم أهل التصويب لهم مذهبان:
أحدهما: أن في المسألة أشبه، وهذا هو المحكي عن أصحاب أبي حنيفة: محمد بن الحسن (¬3) وأبي الحسن الكرخي، ويحكى عن قاضي القضاة (¬4) والشافعي والمروزي (¬5) وغيرهم من الفقهاء.
ومعنى الأشبه: أن الله لو نص لما نص إلا عليه.
وثانيهما: إبطال الأشبه، وهذا هو المحكي عن أكابر الشيوخ من المعتزلة: الشيخين أبي علي (¬6) وأبي هاشم، وأبي الهذيل (¬7) وقاضي القضاة، وهو قول بعض أئمة الزيدية، ورأي أبي حامد العزالي، وهو رأي أكثر المصوبة.
Page 151