فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾ [الذاريات: ١، ٢] وما بعدها، فنزل عمرُ فقال: ما اسمك؟ قال: أنا عبد الله صَبِيغ، قال عمر: وأنا عبد الله عمر، اكشِفْ رأسَك، فكشفه فرأى عليه شَعرًا، فقال: لو وجدتُك محلوقًا لضربتُ الذي فيه عيناك بالسيف (^١)، ثم أمر به فضُرِب ضربًا شديدًا، وبعَث به إلى البصرة وأمرهم ألا يجالسوه، فكان بها كالبعير الأجرب لا يأتي مجلسًا إلا قالوا: «عَزْمةُ أمير المؤمنين»، فتفرَّقوا عنه، حتى تاب وحلف بالله ما بقي يجدُ مما كان في نفسه شيئًا، فأذِنَ عمرُ في مجالسته، فلما خرجت الخوارجُ أُتِيَ فقيل له: هذا وقتُك، فقال: لا، نفعتني موعظةُ العبد الصالح (^٢).
ولمَّا سئل مالك بن أنس ﵁، فقيل له: يا أبا عبد الله ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى
_________
(^١). قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (٥/ ٧١): «إنما قال ذلك لقول النبي ﷺ في الخوارج: سيماهم التحليق». وانظر: «الاستقامة» (١/ ٢٥٨).
(^٢). «ذم التأويل» (١٠). أخرجه الدارمي (١٤٦)، واللالكائي (١١٣٨)، وغيرهما من طرقٍ يصحُّ بها .. قال الآجري في «الشريعة» (١/ ٤٨٤): «فإن قال قائل: فمن يسأل عن تفسير ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا﴾ استحقَّ الضربَ والتنكيل به والهجرة؟! قيل له: لم يكن ضرب عمر ﵁ له بسبب هذه المسألة، ولكن لما تأدَّى إلى عمر ما كان يسأل عنه من متشابه القرآن من قبل أن يراه، عَلِم أنه مفتونٌ قد شغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه، وعلم أن اشتغاله بطلب علم الواجبات من علم الحلال والحرام أولى به، وتطلُّب علم سنن رسول الله ﷺ أولى به، فلما علم أنه مقبلٌ على ما لا ينفعه سأل عمرُ الله تعالى أن يمكِّنه منه حتى ينكِّل به، وحتى يحذِّر غيره؛ لأنه راعٍ يجب عليه تفقُّد رعيته في هذا وفي غيره، فأمكنه الله تعالى منه». وقال ابن كثير في تفسيره (١٣/ ٢٠٨): «إنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتًا وعنادًا». وانظر: «مجموع الفتاوى» (١٣/ ٣١٢).
1 / 6