صاحت الأم في قلق: «يا إلهي!» ثم أردفت: «أهو السيد هاموند؟»
قال العجوز مهدئا نبرته قليلا بعد أن لاحظ مدى قلق زوجته: «لم أتحدث إلى هاموند في حياتي قط.» ثم أضاف: «أرى أن يتوقف عن ارتياد ذلك النادي قبل أن يتناهى إلى سمع المصرفي أن أحد موظفيه يرتاد ذلك النادي كل ليلة. إنك سترين ريتشارد عندما يعود إلى المنزل هذا المساء، أخبريه حينئذ أني أريد أن أتحدث إليه الليلة. اطلبي منه انتظاري هنا. سأكون هنا بعد أن يتناول عشاءه بقليل.»
قالت السيدة سوندرز: «لا تقس عليه. تذكر أنه أصبح شابا الآن؛ لذا، اتبع معه أسلوب النصيحة لا التهديد. الكلمات الغاضبة لا تفيد.»
قال العجوز بحزم: «سأؤدي واجبي.»
تنهدت السيدة سوندرز الرقيقة؛ إذ كانت تعرف ما يعني بتأدية واجبه. كانت العبارة بلا شك تمهيدا لمشكلة عائلية. كشف العجوز عما يخطط له عندما أعلن أنه سيؤدي واجبه.
قال العجوز وهو يهم بالانصراف: «أكدي عليه أن ينتظرني الليلة.» ثم أغلق الباب وراءه.
كانت السيدة سوندرز قد مرت في حياتها بالكثير من المتاعب، شأنها في ذلك شأن أي امرأة تعيش مع رجل غليظ الطباع. لم تتردد يوما في تجنيب ابنها كلمة قاسية أو ضربة وتلقي أيهما بدلا منه بلا تذمر. كانت قسوة العجوز قد وقفت حائلا بينه وبين ابنه. وكره ديك أيام صباه والخوف الدائم الذي وسمها. أما في السنوات الأخيرة التي تضاءل فيها الخوف حتى اختفى، فقد هاله أن اكتشف أن الحميمية الطبيعية بين الأب وابنه اختفت مع اختفاء الخوف. كان قد أقدم عدة مرات على محاولات حيية لمد جسور التفاهم بينهما، لكنها لسوء الحظ كانت تأتي في أوقات غير مناسبة لم يكن فيها الرجل العجوز على وفاق مع العالم بوجه عام، أما في الآونة الأخيرة فقد كان الصمت سيد الموقف بينهما. وكان الشاب يتجنب أباه قدر استطاعته؛ فلولا أمه لما مكث في المنزل. ارتبط الفتى بأمه برابطة ناعمة كالحرير وصلبة كالفولاذ؛ فقد كانت محبتها له ثابتة لا تتزعزع، وإيمانها به راسخا، ولم ينس لها وقوفها في صفه دائما حتى لو كان مخطئا. كان كثيرا يشعر بمتعة في الحيد عن جادة الصواب، لا لشيء سوى لتفنيد أفكار أبيه عن الطريقة التي ينبغي تربية الأطفال بها. غير أن ديك كان يكن للعجوز نوعا من الإعجاب، ولو طغى مزاجه الحاد بعض الشيء على مناقبه العديدة.
عندما عاد ريتشارد إلى المنزل ذلك المساء تناول عشاءه وحده كعادته. سحبت السيدة سوندرز كرسيا إلى الطاولة وجلست، وأخذت تحدثه عن عدة أمور وهو يتناول الطعام، لكنها تجنبت إثارة الموضوع الذي كان يشغل الحيز الأكبر من تفكيرها وأرجأته إلى اللحظة الأخيرة. فقد يمكث في المنزل من تلقاء نفسه ولا تضطر إلى أن تطلب منه ذلك. وكانت تراقبه عن كثب وهي تحدثه، وساورها القلق من التوتر الذي بدا على وجهه. كان قلقا من أمر ما، وكانت تأمل أن يبثها مكنون صدره، ومع ذلك مضت تتحدث عن أشياء أخرى. لاحظت أنه كان يتظاهر بالأكل فحسب، وأنه كان يتركها تتحدث كثيرا ولا يرد إلا لماما وبذهن شارد. وأخيرا أبعد كرسيه عن الطاولة وهو يطلق ضحكة بدت مفتعلة.
ثم قال: «حسنا يا أمي، ما الخطب؟ هل هناك مشكلة أم إنها لم تزل تلوح في الأفق؟ هل أقدم الرب الخالق على ...»
قاطعته: «صه يا ديك، لا يجب أن تتحدث هكذا. أرجو ألا تكون هناك مشكلة. أريد أن أتحدث معك عن النادي الذي تذهب إليه.»
Unknown page