Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genres
ويبقى السؤال الهام هنا، هلا يعلم الشيخ كل ما نعلم وزيادة بشأن المساواة من عدمها والحرية من عدمها في شريعة الإسلام وتاريخه؟ فإن كان يعلم ولا شك أنه يعلم فكيف نصنف ما قال؟ الإجابة واضحة لا تحتاج إلى تعليق.
أما قوله وهو يرفض المواطنة: «إن دار الإسلام هي الوطن الإسلامي، وهي بلا رقعة»، فهو ما يعني أن الشيخ ما زال يرى أن دار الإسلام هي العالم كله «بلا رقعة»؛ لأن دعوة الشيخ كما هي واضحة: الإسلام دين ودولة، والإسلام دين عالمي، فتكون النتيجة الواضحة: أن العالم هو دولة الإسلام؛ وهو ما يعني إعلان الحرب الإسلامية على العالم كله، في وقت يمثل فيه المسلمون أدنى أهل الأرض للضعف والجهل والتخلف.
أترون إلى أين يأخذنا مشايخنا يا مسلمين؟! (2) قيمة المواطنة
الداعية الكبير الشيخ الدكتور يوسف قرضاوي ويلقب بالفقيه المعتدل، وهو مرجعية شئنا أم أبينا لمعظم تيارات المد السلفي السياسي، ويراه بعضهم الرجل الثاني من محركات الصحوة الإسلامية، وقوتها الدافعة، بعد المغفور له سيئاته الشيخ متولي شعراوي، إضافة بالطبع إلى جماعات التربح الأخرى من عينة العلم والإيمان والدعاة الجدد ودعاة الفيديو كليب وفضائيات الفتاوى التيك أواي وبنوك التقوى وجماعات الأمر بالمعروف والجهاد والقاعدة ... إلخ . كل هؤلاء يعتبرون قرضاوي مرجعية لهم؛ وهو ما يعني موافقتهم جميعا على فكرة أن الإسلام دين ودولة، وأنه لا وطن له حدود لبلاد المسلمين فدولتهم هي العالم كله. لكن مع ذلك يبدأ الشيخ بمصر الوطن ذات الحدود التاريخية والمنظومة المدنية الحديثة، حيث سيطبق الشريعة إن شاء الله، رغم وجود مصريين غير مسلمين يعيشون في هذا البلد.
لكن المرجع الفقهي الكبير يعلم تلك العقبة الكئود، فيضع لنا حل المشكلة، فيقول في فضائيته في برنامج الشريعة والحياة، حلقة (الدستور ومرجعية الشريعة):
إذا كان بلد فيه أغلبية مسلمة وأقلية غير مسلمة، الأغلبية المسلمة فرض عليها من ربها ودينها أن تحكم شريعتها، هل مطلوب من الأقلية غير المسلمة أن تمنع الأكثرية المسلمة من الاحتكام إلى أحكام الشريعة؟ هذا معناه أن الأقلية تفرض الديكتاتورية على الأكثرية، وإذا كنا سنحكم منطق الديمقراطية؛ فالأغلبية هي التي قلة قليلة في بلادنا تحكم، والذين يثيرون هذه الضجة أقلية هم العلمانيون، وهم قلة قليلة في بلادنا لكن لهم ضجة كبيرة؛ لأنهم يملكون المنابر الإعلامية والأبواق الإعلامية .
يصر المحاور على ألا يروغ الشيخ منه، فيعود يسأله: «هل في مرجعية الشريعة فعلا تمييز ضد غير المسلمين؟» يجيب الشيخ رمز الصدق والعدالة والوسطية بقوله:
لا يوجد قط في مرجعية الشريعة ما يتعارض مع عقائد هؤلاء القوم، الإنجيل لم يأت بتشريع إلا في عدم الطلاق، إنما يعتمد على تشريعات التوراة، المسيحيون لا يعتمدون على تشريع ديني، إنما يعتمدون على التشريعات الوضعية التي تأتيهم من أوروبا، الشريعة فريضة علينا نحن، فنحن نأخذ هذا على أنه دين. المسيحيون كالأقباط في مصر يأخذونه (أي الشرع الإسلامي) على أنه قانون، كما قبلوا قانون نابليون أو القانون المستورد من أوروبا، لماذا لا يقبلون القانون في الإسلام؟! ثم إن الأحكام الإسلامية الشرعية هي بنت بيئتنا يعني مش جايبينها من برة، هذه الأحكام صادرة من تراب هذه المنطقة، ولأنه لا يمكن أن يأتي في شريعة الإسلام ما يعارض عقائد الآخرين الدينية، فبناء عليه لا بد أن تراعي الأقلية غير المسلمة مشاعر الأكثرية المسلمة حتى لا تؤذي المشاعر وتحدث الفتن. (حلقة الدستور ومرجعية الشريعة، الجزيرة)
لو كان هذا الشيخ يؤمن حقا وصدقا أن الله حق وأن الإيمان به حق، وأن من دواعي هذا الإيمان التزام الحق، ما قال ما قال، ولعل مثل هؤلاء النماذج والمثل، هم السبب لما نراه في الشارع المسلم من انهيار كارثي في القيم الأخلاقية. وتعالوا معي نرى شيخنا بهذا الحجم وهو يقول كلاما يؤاخذ عليه دينيا وأخلاقيا.
كلام قرضاوي يعني أنه علينا جميعا أن نرفض مصر وطنا وأما وعشقا وأملا يجمعنا، لأن فكرة الدولة الوطنية القومية هي من أوثان الاستعمار. لقد غاب عن الشيخ أن مصر كانت دولة وطنية قومية وأمة بالمعنى العلمي التام للتعريف، قبل أن تظهر النزعات القومية الأوروبية، وقبل أن تقوم لروما أو فارس إمبراطوريات، وقبل أن تقوم للعرب إمبراطورية خلافية، وأنها قد حددت لنفسها حدودها منذ استقر فيها أولادها الأوائل، وهي هي، مصر التي تحتضن كل الملل والنحل والأعراق، وكان هذا هو سرها العميق الذي اكتشفته الولايات المتحدة الأمريكية في مقاربة تاريخية مذهلة (مع أخذ الفارق الزمني وأثره بالاعتبار بالطبع).
Unknown page