Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genres
وإذا ما تساءلنا عما يجمع أبناء الوطن الواحد، إذن، وماذا عن ولاء المواطن لمواطنيه ولمصالحهم المشتركة، فإن قرضاوي يعطينا إجابة بعيدة بالمرة عن كل المفاهيم السياسية؛ فهو ينبه إلى أن «الولاء لله ورسوله، ومن اتخذ الله وليا، فقد اتخذ عدوه عدوا، ودار الإسلام هي الوطن الإسلامي وهي بلا رقعة، فوطن المسلم هو دار الإسلام» (ص79-80 من كتابه ملامح المجتمع المسلم)، لينتهي إلى تقرير يصوغه صياغة هي ضد كل ما يعني الوطن والمواطنة، فيقول في إيجاز مرعب حقا: إن القومية والوطنية أو غير ذلك هي من الأوثان. (كتابه الإخوان، ص24-25). إذن هي الحرب الأهلية، هي الصوملة، هي السودنة، هي اللبننة، هي الأفغنة، هي القوقزة، هي حيثما حلت بركات الفكر القرضاوي ورجاله فتوارى الوطن. كل ما لمسته بركاتهم تشظى وانقسم. هذه هي إجابة السؤال عندما نضحي بالوطن من أجل الأيديولوجيا دينية أو طائفية أو عنصرية.
الأكثر تشويقا في خطاب الشيخ المعتدل قرضاوي إعلانه أنه يسعى لإقامة دولة إسلامية تعمل بالشريعة، بحسبان «شريعة الإسلام فلسفة حياة ونظام تعامل ودستور يرسم للأفراد حدود المساواة والحرية.»
إن الشيخ يرذل الدولة الوطنية المدنية ويطلب الدولة ذات المرجعية الشرعية الإسلامية من أجل إقامة المساواة والحرية، وأول سؤال سيتبادر هنا كيف ستكون هناك مساواة بين مسلم وغير مسلم، ومثل هذه المساواة تخالف الشريعة نصا وروحا، ليس أحكام الشريعة التي وضعها الفقهاء وضعا فقط، بل تخالف آيات القرآن الصريحة والحديث الصحيح. وهو أمر له أسبابه التاريخية، حيث كان الإسلام يقيم لقبائل العرب الأشتات نظاما سياسيا في شكل شبيه بالدولة الابتدائية، وما كان ممكنا أن تقوم الدولة في مثل هذه البيئة البدوية المتبدية في قبائل متقاتلة متصارعة على خير الطبيعة الشحيح والضنين، على أساس العنصر وإلا تقاتلت العناصر حتى الفناء، لقد قرب الإسلام بينهم في صيغة تلائم ظروفهم؛ فالقبيلة كلها كانت على استعداد لأن تفنى عن بكرة أبيها من أجل فرد فيها، والفرد فيها ترس في آلة متكاملة هو جزء منها خاضع لها، لا يعرف ولا يرى في غير قرابته سوى أعداء محتملين دوما، وما كان ممكنا أن تخضع قبيلة لسيادة فرد من قبيلة أخرى، وهو ما فطن إليه ابن خلدون فقال: إن العرب لا يجمعهم إلا دين ونبي تخضع له أنوفهم المتكبرة، تجمعهم فكرة وأهداف مشتركة ومصالح، يخضعون لسيادة نبي لأنه لا ينسب لقومه بل للسماء التي هي فوق كل القبائل. لذلك جاءت صيغة الكونفدرالية العربية تركب أيديولوجيا دينية موحدة واحدة، تجمع كل الأشتات على قرابة واحدة، فيصبح كل العرب أبناء رجل واحد يصح لأي منهم أن يسود ويملك، فكلهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم؛ لذلك يرذل الشيخ قرضاوي الدولة بعد أربعة عشر قرنا في مكان وزمان مختلفين عن ذلك الزمن البدائي الأول بالمرة.
من هنا أصبح المتميزون بدين الإسلام طائفة جديدة خاصة بغض النظر عن قبائلهم وألوانهم وأصبحوا أمة من دون الناس، تختلف وتتميز عن غيرها من الأمم، بل هي خير الأمم؛ لأنها المكلفة بحمل الرسالة إلى العالمين.
إذن فأولا وأساسا لا يتم التساوي بين المسلم وغير المسلم في الشريعة الإسلامية فلا مجال لحديث هنا عن مساواة في وطن واحد يعيش فيه مسلمون وغير مسلمين تحكمهم الشريعة الإسلامية. فالناس حسب هذه الشريعة أصناف ورتب ومنازل ودرجات وطبقات تختلف بينها الحقوق والواجبات، فهناك الأولون السابقون وهناك المبشرون بالجنة، وهناك أهل بدر الذين غفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، وهناك العربي العدناني والعربي القحطاني، والقرشي وغير القرشي، وداخل قريش الهاشمي والأموي وغيرهم، وهناك الرجل والمرأة، وهناك السادة والعبيد، وهناك الموالي الذين أسلموا في البلاد المفتوحة، وهناك أهل الذمة، وهناك العبد المسلم والعبد غير المسلم، ولكل من هؤلاء درجة وحقوق وواجبات تختلف عن درجة الآخر لذلك تضخمت الشريعة الإسلامية بالأحكام الكثيرة الهائلة عددا، ترتيبا على حقوق تلك المنازل والمراتب الاجتماعية العديدة المفرطة في تراتبيتها وأحكامها وفق هذه التراتبية.
فأي مساواة في شريعة الإسلام يتحدث عنها قرضاوي؟ إن المساواة اليوم تختلف بالمعنى وبالظرف وبالزمن بالكلية عن معناها الأولي في الشريعة، التي يجب أن نحترمها ونعترف بها وبأنها كانت تناسب ظروف زمانها، لكنها لم تعد تناسب ظروف زماننا، وليس في ذلك انتقاص منها، فقد أدت دورها في حينه وأثبتت نجاحها الذي صيغت من أجله وحققت مبتغاها فكانت صحيحة بمقاييس زمنها.
هذا ما كان عن دستور المساواة الذي يطلبه لنا قرضاوي من أعماق زمن سحيق، بل ويؤكد أن هذا الدستور هو الضامن للحرية الإنسانية.
إن الشيخ يحدثنا عن الحرية ولديه ثلاثة وعشرون آية تتحدث عن العبودية والرق وملك اليمين، ناهيك عن رتل هائل من أحاديث أحكام الرقيق، إضافة إلى ما يدرسه عيالنا في معاهد الأزهر من فقه كامل للرقيق على المذاهب الأربعة السنية، فعن أي حرية يحدثنا الشيخ؟
لقد سبق لصاحب هذا القلم أن طالب السادة المتفقهين والأزاهرة أن يعلنوا موقفا واضحا يتم بموجبه الإعلان عن إيقاف العمل بحدود وفقه الرقيق، بتعطيل أحكام الآيات، أسوة بصحابة وفقهاء سابقين، بعد أن عطلها تطور القيم الإنسانية في العالم، فلم تعد صالحة لكل زمان ومكان كما يوهمون بسطاء المسلمين، وإن إعلان هذا التعطيل بأيدي فقهائنا أجدى في شئون كثيرة من فرضه فرضا علينا بقوة القوانين الدولية والضمير الإنساني.
ولم أسمع من يومها غير التكفير والتخوين والتبخيس وحرب الإشاعة غير النظيفة، كما لو كنت أطالبهم بشيء إدا أو مستنكرا أو دعوة لشر، لقد كانت دعوتي هي الخير نفسه بغض النظر عن اتهامات مشايخنا عندما لا يجدون ردا محترما.
Unknown page