Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genres
نعم لقيم المصارحة والمكاشفة والمصالحة، لكن مشايخنا لا يعنون ما يقولون. لإعادة قراءة تاريخنا قراءة علمية منصفة لا تغالي ولا تفرط ولا تبالغ ولا تبخس، تقرؤه كما كان، على أن نقرأه بعقلين؛ عقل زمانه لنحترم توافقه مع زمانه، وعقل زماننا الذي لا تصلح معه ظروف مكان وزمان سحيقين في القدم والبدائية. نعم لدرس تاريخ الإسلام، ليس بقصد اجترار وإعادة مضغ أو فخر برجال ليسوا منا بل كانوا لبلادنا فاتحين ولعرضنا منتهكين ولأموالنا ناهبين ولأوطاننا محتلين، بل لنحدد موقفنا من أنفسنا، ومن الدنيا عبر هذا التاريخ، لنعيد تأسيس حاضرنا على أعمدة راسخة تحددت فيها المفاهيم ووضحت المصطلحات من أجل فلسفة قيم تليق بزماننا الذي يحتاج إلى فعلنا ووجودنا فيه، بأدواته وأساليبه المحدثة، ليكون لنا مكان في الزمن الآتي، بعد أن أصبحنا - شئنا أم أبينا - في معظمنا شعبا مسلما يتحدث العربية.
إن الوهابية السعودية عندما أعادت فتح البلدان من حولها وبخاصة مصر، جاءتنا بدين جديد لا يعرف المذاهب المتعددة والآراء المختلفة رحمة بالمسلمين، دين هو وحده المؤمن بالله دون بقية المسلمين، وهو وحده الخلف الصالح للسلف الصالح، هو إنسان وديع مسالم، هو خلف السلف الذي فتح بلادنا ليخرجنا من الظلمات إلى النور، ولا تعلم هنا هل كان من ضرورات هذا الانتقال نحو النور، ومن لوازمه، هتك أعراضنا ونكاح نسائنا وذل رجالنا واسترقاق أطفالنا ونهب أموالنا، مع القتل في شكله المفرط، ثم الاستيطان في البلاد الموطوءة بالفتح؟
المسألة هنا تتعلق بالقيم، والقيم تتفاوت بتفاوت المجتمعات على سلم القيم؛ لأن هتك عرض المهزوم وإذلاله كان من فضائل القيم البدوية ومن مكارمها، لإرهاب من يليهم من بلدان سلفا، اضرب المربوط يخاف السايب، استباحة دير ياسين أدت إلى هروب الفلسطينيين من بلادهم أمام اليهود، ومذبحة قريظة في الحجاز أدت إلى رعب القبائل الأخرى ووفودها للمدينة تعلن الولاء، السؤال مرة أخرى، هل كان ضروريا لنشر دين الله أن تسبى جداتنا لتوزع حتى وصلت سبايانا لذة لأهل اليمن، بينما كانت جيوش المسلمين لا تزال عند بلهيب بالدلتا. هل كان من لزوم نشر الدين أن تخطفوا حريم بيت جدي لتنكحوهم في أرضكم المقدسة؟ لقد كان الفتح والنهب والنكح والإفراط في القتل عوامل تمكين حقيقية للقوة الطالعة، ولم يكن الدين هو هدف هذا الفتح ولا مبتغاه.
هؤلاء القوم وأسلافهم هم سدنة البيت الأموي السني حتى اليوم، وكما فتحوا بلادنا ونهبوها وأخرجوها من دائرة الفعل الحضاري، هم وسلفهم من كانوا الحجر الكئود في حياة نبيهم
صلى الله عليه وسلم ، وبعد موته ظلت النقمة على بيت النبي الهاشمي، ظل بنو أمية يرددون شعر ابن الزبعرى بلسان يزيد بن معاوية:
لعبت هاشم بالنبوة فلا
ملك جاء ولا وحي نزل
وعن هذا اليقين قضوا على آل بيت النبوة دون أي شعور بالإثم بل أبادوهم من الوجود حتى الصغار الرضع من البذرة الطاهرة تم ذبحهم، وسبوا نساء هذا البيت الطاهر وصادروا أموالهم ومثلوا بجثامينهم، وهتكوا عرض بنات الصحابة ونسائهم عندما استباحوا مدينة رسول الله، ودمروا الكعبة وحرقوها رميا بالمنجنيق، وتخلصوا من مخطوطات القرآن العديدة التي حرص على تدوينها صحابة أجلاء كعبد الله بن أبي وكعبد الله بن مسعود والإمام علي ... إلخ، فأحرقوا صحائف القرآن ليدونوا المصحف العثماني تحت إشرافهم وحدهم، وعندما اعترض كبار الصحابة على ما يفعلون بكتاب الله العزيز نكل بهم أشد التنكيل، منهم من أمر الخليفة بضرب أضلاعه بالأرض حتى تهشمت، ومنهم من ضربه الخليفة بنفسه «بالشلوت» فأصابه الفتق، والروايات كثيرة، وكلها مخجل محزن مؤسف .
هؤلاء القوم باعوا الدين مبكرين للسلطان ولا تعلم كيف يصدقهم المسلمون اليوم ويتبعونهم، في خيانة كارثية للإسلام ونبيه رغم أن الجميع يعلم بما حدث، وأن الخلف المشيخي السلطاني، أو الإمامي الخليفي، يحدثنا اليوم بلسان ذلك السلف العربي الذي ركب الإسلام، في تواطؤ فضائحي يشير إلى خلل عميق في معايير القيم لدينا. المصيبة أن هؤلاء في نظر العوام من يمثلون الإسلام، بينما يصبح قدحنا فيهم كفرا بالإسلام. أترون إلى أين وصلوا بنا؟ حتى قبلنا الخديعة في ديننا وتواطأنا معهم ومعها، في فعل فضائحي علني، وعقد نكاح باطل غير شرعي بين المسلمين ومشايخهم، لم يقم على الكتاب والسنة، بل على خيانة الكتاب والسنة علنا جهارا نهارا بيانا، ليس فيه من الشريعة سوى الإشهار الفاضح.
يقول الرجل الصادق الدكتور الريسوني إن الشورى مثل الديمقراطية في مسألة ترجيح رأي الأغلبية على رأي الأقلية؛ لأنها «مسألة فطرية ... والإسلام فطري يقبل الأمور الفطرية ويبني عليها ويؤسس شريعته». وذلك لأن «الديمقراطية جزء من الشورى ... هي أداة ووسيلة تنظيمية، أما الشورى فعقيدة وخلق وسلوك وثقافة» (الحلقة نفسها ).
Unknown page