Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genres
إن تتبع الخيط لفض آليات ظاهرة الحجاب والنقاب يوصلك إلى ما يستتبعها ويترتب عليها؛ فالآليات هنا لا تقوم كغيرها من الأفكار والمفاهيم على لغة الحوار والإقناع، الآلية دينية تأمر لتطاع لا لتناقش وتحاور؛ فالنقاش والمحاورة عدم طاعة لمن هو أعلم منا بشئون ديننا ودنيانا.
هو المروق والفوق؛ لذلك لا يحتمل الأمر الديني نقاشا وإلا كان هو العصيان المرادف للخروج على الجماعة والمروق على الملة.
نصل الآن إلى المفصل الأهم في الظاهرة، في ظرف انكسار تاريخي وهزيمة نفسية لتراجع مصر عن دورها القوي محليا ودوليا، تم استثمار تدين الشعب المصري الفطري لترويج الوهابية السعودية وإسلامها النصي الظاهري بحسبانه الإسلام الوحيد الحقيقي، وأن إسلامنا السابق كان انحرافا عن جادة هذا الصحيح، مضافا إليه التقريع المشيخي الذي لا يهدأ للناس لانكسارهم الحضاري، لتأثيمهم وتحميلهم أوزار الاستبداد ونكباته، والشعب المصري شعب حساس أيضا بطبعه فيشعر بالذنب في حق أمته الإسلامية التي هو المسئول عنها (لا تعرف لماذا؟) وفي حق ربه ودينه، فحقت عليه الهزائم؛ ومن ثم فلا حل إلا بالعودة إلى طاعة الرب التمامية التي تمر عبر السراط الوهابي وحده فقط.
إن الظاهرة تعبر بشديد البيان والسفور عن مدى النجاح السعودي في إخضاع الشعب المصري لسلطة تيار ديني وافد على البلاد مع سبعينيات القرن الماضي، بغض النظر عما بدأ يستشري في المجتمع مع هذا الوافد من سلوكيات منحرفة وفساد من كل الأصناف بإحصاءات علنية لا تشير إلى تدين حقيقي. والأمر على حاله هذا هو غاية المراد السعودي الوهابي وهو المطلوب بالضبط وبالتدقيق، وهو الهدف من هدر سبعين مليار دولار. الهدف نشر الفوضى والدمار الأخلاقي والقيمي تحت ستار زائف من مظهر ديني قشري لا يخفي ما تحته من قبح، حول الشارع المصري إلى فوضى عشوائية ووحشية لم يسبق أن عرفها في أسوأ أزمانه، ولا عرفها حتى في زمن الهكسوس. ولبس الفساد الزي الباكستاني ولا تعلم ما علاقة هذا الزي بالقرآن أو بالسنة أو حتى بعرب الجزيرة، ومعه اللحية المروحية غير المشذبة، والحجاب والنقاب، ودمتم!
هي حالة إثبات للدنيا عن مدى طاعة الشعب المصري للسيد السعودي الذي تمثله أيديولوجيته المبثوثة في تلفازنا وإذاعتنا ومناهج تعليمنا وفي لافتات تملأ الشارع المصري أينما وليت وجهك، لقد تم اختراق مفاصل الدولة المصرية العريقة ومؤسساتها ونخرها بالسوس الوهابي منذ قرر الرئيس السادات أن يكون الرئيس المؤمن، فأطلقهم علينا فكافئوه بنحره يوم عيد نصره تقربا لرب الوهابية بكبش عظيم كما جاء في أدبياتهم.
وبعدها تحولوا إلى سادة حقيقيين عبر مشايخ بلادنا الذين حولوا ولاءهم لأرباب النعمة لنشر الوهابية في مصر، وأصبح الشيخ صاحب قوة وسلطان وهيبة تفوق هيبة القانون والدستور والدولة مجتمعين.
فالمواطن يعمل بفتوى الشيخ حتى لو كانت ضد وطنه ودولته ومواطنيه، إذ توصف الحكومة في هذا السياق بالحكومة الكافرة؛ لذلك يخلع المواطن طاعة قانون الدولة لأنه وضعي كافر، وهو ما يقال له في إعلام الدولة المصابة بالحول المنغولي والكساح العقلي والموت السريري للضمير. أما المواطن فقد اطمأن أنه من أصحاب الجنة ما دام مطيعا للطقوس، وما عدا ذلك فكله من اللمم البسيط، فغيره من أهل الجحيم وهو وحده حبيب الله فهو من أهل الجنة؛ ومن ثم يذهب إلى أبعد مدى في كسر كل القيم الأخلاقية ما دام مؤديا لواجبه الديني «وإن زنى وإن سرق»؛ لأن المبدأ الوهابي يقوم على حديث منسوب إلى النبي
صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل ابن آدم الجنة بعمله إنما بأداء العبادات ورحمة الله.»
في انتهازية رخيصة لا تليق لا بعروبة ولا بإسلام انتهزت الصحوة الوهابية جرح الشقيقة الكبرى وضعفها وهزيمتها في 1967م لتحول المجتمع المصري من مجتمع مؤسسات قانونية تراتبية بيروقراطية وظيفية، إلى مجتمع منفلت فوضوي غير منتج ولا منجز، يثبت طاعته لربه بقطعة قماش ثم ينصرف إلى كل ألوان الرذائل التي سيغسلها في الحج المقبل ويعود كما ولدته أمه ملط من أي ذنب. ومع تكاثر الخطايا يكثر الراغبون في الغسل، ويذهب المستحمون بالطهارة الشكلية لينالوا الغفران بملايين مصر الكادحة ليضيفوها إلى رصيد البنوك السعودية، وهذا وجه واحد فقط، ضمن وجوه عدة، منظور مكشوف يشكل عائدات هائلة سنويا تبرر ما تم صرفه من مليارات على الصحوة. ويتلو الحج عمرة ويلي العمرة حج جديد، وهو ما يبدو تعبيرا عن صحوة المسلمين لدينهم ورغبتهم في رؤية قبر حبيبهم وأداء الفريضة لربهم، بينما هو تعبير عن حجم المآثم والكارثة الأخلاقية التي أوصلنا إليها أصحاب الصحوة؛ فالناس يشعرون بالحاجة الدائمة للغسل عندما يشعرون بالوسخ والقذارة الواضحة؛ لذلك تحتاج إلى التنظيف الموسمي الدوري.
مرة أخرى نؤكد أن أي زي هو في الأصل ظاهرة اجتماعية تفرضها البيئة؛ لذلك تختلف باختلاف البيئات والمجتمعات، وأن الحجاب أو النقاب لو كان دينا ما فرط فيه المصريون وبقية العرب والمسلمين معهم مع ثورة 1919م، ولو كان دينا وفرطنا فيه فهو معنى يهين الدين ويصوره ضعيفا مهزولا لا يستطيع فرض فروضه على أتباعه دون مساعدة خارجية، وكأنه يحتاج للمساندة والدعم وهو دين القادر العزيز الجبار! ومن هنا لا يمكن لأحد أن يقول إن النقاب هو من الفروض أو من شئون العبادة، ولا هو حتى قاعدة في المعاملات، ولا يترتب على ارتدائه أو خلعه أية حدود شرعية في ديننا، هو فقط وسيلة يثبت بها الوهابيون أنهم قد تمكنوا بعد هزيمة 1967م من السيادة على الشارع المصري، بحكومة أخرى موازية خفية متكاملة النظم والأوامر والقوانين والاقتصاد، أعضاؤها مصريون بالجنسية فقط، وولاؤهم للسيد الذي لا تنفد خزائنه، وتفرض هذه الحكومة الخفية ذاتها علنا جهارا نهارا لا تستحي ولا تكن، وتحارب حربا ضروسا في شأن تافه كالنقاب، وهو عندها كبير لأن أي تراجع له يعني تراجعا في سيادتهم وفي خططهم نحو الإعماء الشامل للعقل المصري؛ لأن أي تراجع يعني انحسارا لهذه السيادة، ألا ترون حجم ما ضخ من أموال في الحملة الفضائحية ضد سيد القمني، والتي لا تليق بتدين حقيقي بقدر ما تليق بالنساء العواهر الدواعر المحترفات؛ لأن جائزة القمني تقتطع من مساحة وجودهم وإثبات سيطرتهم التي ستكون منقوصة بمثل هذه الجائزة.
Unknown page