Intikasat Muslimin

Sayyid Qimni d. 1443 AH
154

Intikasat Muslimin

انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح

Genres

صحيفة المصري اليوم حضرت مؤتمرا صحفيا مع أوباما إثر خطابه مباشرة، وعقبت بتعبير شديد الأهمية وشديد الدلالة: «فالرجل لو صدق، فسوف يتغير العالم من جامعة القاهرة!»

أما العبد الفقير إلى الله فيرى أن هناك أشياء ستتغير بالطبع، وسيتم حل المشكلة العزيزة على نفوس المسلمين فلسطين الغالية مسرى الرسول وأولى القبلتين بالسرعة الممكنة، بالتزامن مع الخروج العسكري من العراق، وهو المتوقع خلال عامين، فهذه هي هموم المواطن حتى الجائع الحافي العاري المريض لا يجد قوت يومه ويخرج في المظاهرات من أجل فلسطين والبوسنة والشيشان وبلاد تركب الأفيال، ولا يخرج ليطالب بحقه في الكرامة الإنسانية من حقوق وحريات؛ لذلك فإن من سيعاني هو تيار الحريات الحقوقي مع مزيد من العسر والتأخر في قدوم التغيير المرتقب إصلاحا وتهذيبا وتحديثا، في ظل التحالف الذي يبدو أنه قد قام علنا وجهارا نهارا بين أمريكا والمسلمين؛ فالخطاب كان للمسلمين بالتحديد، وأن النتيجة هي شرعية وبقاء الأنظمة والشعوب والأوضاع على ما هي عليه؛ فهي حليفة، وإن جاء نظام مختلف عن الحالي فهي حليفة، ولو جاء جمال مبارك أو علي مبارك أو حتى زكي جمعة فهي حليفة، ولو جاء الإخوان المسلمون فهي حليفة، وتبقى الشعوب خارج الموضوع لأنها الفريسة لأي مفترس حليف، ويبقى الباب بذلك مفتوحا لمختلف الاحتمالات. وستقوم الحكومات في بلادنا: إسلامية صريحة، أو إسلامية بزي مدني كالحادث عندنا، بدور الحارس الأمين للمصالح الأمريكية، مقابل الصمت الأمريكي عن حقوق الشعوب في هذه البلاد، وتقوم أمريكا بدعم النظم الحاكمة القائمة بمنحها الشرعية والاعتراف، وعلى هذه النظم أن تساعد أوباما على إنهاء ملفات أمريكا العالقة في المنطقة وخروج عسكرها بكرامة وبخسائر بأقل قدر ممكن، مع الحفاظ على مصالحها أينما كانت.

بالأمس القريب (وما أسرع متغيرات خطى التاريخ في زماننا) كان إعلان أمريكا بغزوها للعراق، أنها خطوة البداية لإصلاح المنطقة وجرها جرا إلى الحداثة للقضاء على الثقافة المفرزة للإرهاب بالديمقراطية وإسقاط النظم الاستبدادية التي أفرزت الإرهاب الديني. بلسان بوش الابن ورايس وباول ورامسفيلد وكل الفرقة الراحلة، وحينذاك التقيت بعض الدبلوماسيين الغربيين بناء على طلبهم وبمعرفة الأمن المصري، ضمن لقاءاتهم الأخرى لاستيضاح وجهات النظر، وقد حذرت حينها من أخذ خطوة عسكرية تجاه العراق؛ لأن الحرب على الإرهاب يجب أن تبدأ على المستوى الثقافي وليس العسكري.

لا أنسى وزيرا مفوضا لدولة كبرى راهنني - أدبيا ومعنويا فقط - على أن مجرد إسقاط طاغية بغداد وإطلاق الحريات في العراق؛ فإنه كفيل بتحويله إلى واحة للديمقراطية وقاطرة ستقطر وراءها المنطقة كلها، بالضبط كالمسيحي المؤمن الذي يتصور أنه بمجرد أن يعرض آيات الإنجيل على إنسان، فإن ذلك كفيل وحده بإقناعه بالمسيحية ليعتنقها، بالضبط كالمسلم الذي يتصور أنه لو قرأ القرآن على إنسان لرأيته خاشعا كالجبل الذي يتصدع من خشية الله، يومئذ وخلال الشهور الأول لغزو العراق بدت رؤية السيد الوزير هي الواقعة وكسب الرهان الأدبي بصدق توقعاته وسافر إلى بلاده، وبعدها بشهور حدثت تحولات كان يجب معها أن يكون كاسب الرهان هو أنا وليس هو؛ لأن الحريات إن لم تتأسس أولا على ثقافة حريات وعقد اجتماعي ينافح عنه أهله، فإن الحرية تتحول إلى فوضى طائفية وعنصرية، وهو ما حدث في العراق الجميل، وهو الدرس الذي خرجت به أمريكا من المنطقة، فتراها كيف استفادت منه؟

هنا علينا أن نرهف السمع جيدا إلى أوباما وهو يقول بقولين لا يلتقيان، القول الأول هو: «ينبغي ألا تستخدم الدول العربية الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الأولى.» يعنى خدوا بالكم يا حكام العرب أننا فاهمين لعبتكم من زمان بإلهاء الشعوب عن حقوقها بالقضايا القومية والدينية، هو قول موجه للحكومات يفصح عن كون العملاق الأمريكي ليس أهطل، بل إنه يعرف أساليب حكوماتنا كذلك يعرف شعوبنا معرفة دقيقة وكيف يمكن صرفها عن مصالحها وحقها في حياة كريمة، بسلبها عقلها ووعيها اعتمادا على غرائز دينية وقومية يتم شحنها طوال الوقت، لصرف النظر عن قضايا الداخل إلى الإسلام الذي يهان في الدانمارك أو في البوسنة أو الشيشان أو غزة أو أي بلادستان، المهم صرف النظر إلى منور أي جيران قريبين أو بعيدين، لبحث عيوبهم والمآخذ عليهم والهتاف والتظاهر ضدهم والانشغال بهم عما يحدث في الداخل.

وقول كقول أوباما هنا يفترض أن يؤدي إلى اطمئنان التيار العلماني؛ لأنه لو تم حل المشاكل الأساسية العاطفية الدينية القومية مثل فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها، سيعطي ذلك الشعوب الفرصة للانتباه للداخل لبحث عن حلول لمشاكلها مع حكوماتها. •••

هنا يأتي القول الثاني الذي لا يلتقي مع قوله الأول، وقد جاء إجابة عن سؤال أوباما في المؤتمر الصحفي «س: إذن كيف ترون مسألة نشر وترويج الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة والشرق الأوسط؟ ج: أنا أؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان والخطاب الاجتماعي العالمي، لكن يجب أن نعلم أن هناك شعوبا مختلفة، وأشخاصها مختلفون، وأفكارا مختلفة، وعادات مختلفة، وتقاليد مختلفة بشأن هذه المسألة. وبالتالي علي أن أؤكد من أعماق قلبي وروحي ضرورة احترام الآخر والتعايش معا، وأنني لا يمكنني فرض معتقداتي على الآخر، ولا يمكنني أن أستغل أغلبيتي للعمل ضدك، ولا أستطيع أن أفرض معتقداتي الدينية وأقول لأحد عليك أن تتبع معتقداتي نفسها. وقضية حقوق الإنسان والديمقراطية مهمة جدا للإسلام؛ لأنه يمكنه أن يعالجها، فأنا أعلم أنه ليس كل المجتمعات الدينية متشابهة في تنفيذها السياسي، فالشريعة مثلا يمكنها أن تحمل تفسيرا متشددا أو حديثا تجاه قانون وضعي. أنا لا أتخذ ولا أفرض قرارا يتعلق بهذا الأمر على أي دولة أو مجموعة من الناس، ولكنني لا أوافق على أن مبدأ يلزم الآخرين باعتقاد ما، فنحن في الولايات المتحدة نرى أن في ذلك مناهضة للحقوق، ويتنافر مع روح الديمقراطية ويجلب الصراع في النهاية؛ مما يجعل خلق هذا الحوار مهما داخل الإسلام.»

في ظني أن هذه الفقرة بالمؤتمر الصحفي هي الأهم في كل ما قال أوباما في القاهرة؛ فهي تلقي بالكرة في ملعبنا تنتظر ردنا، فيها لغز علاقة المسلمين بالغرب وحداثته، وفيها حل اللغز. فقد ننساق وراء تدليه غرائزنا ونحتسب خطابه في القاهرة تشجيعا لحكوماتنا ولشعوبنا معها على الاستمرار كما هي دون بحث أي أخطاء من جانبنا لنصلحها، مع عدم الاعتراف بأي خطأ حاضرا أو ماضيا، بل ربما تقديس الخطأ والاستمرار فيه على عادتنا التاريخية المتواترة وتظل الأوضاع على ما هي عليه، لكن الفقرة ذاتها على استعداد للتعامل مع نظام ديمقراطي حقوقي أيضا لكن دون أي تدخل أمريكي لفرض هذا النظام بعكس ما قال بوش الابن من قبل، وهنا المعادلة الصعبة التي تترك الليبراليين العرب عراة أمام ترسانة مدججة بشارع مسلوب الوعي وبماض تليد وحكومات قامعة ومأثور عنيد هو الأعز على قلوب الشعوب، التي تدعو من مساجدها أهم دعاء لها: «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا»، وما عدا ذلك من مصائب فليس من المشاكل الملحة، وتصبح المشاكل التي تشغل العلمانيين ليست من نوع المشاكل التي تشغل بال رجل الشارع المسلم.

قال أوباما إن الإسلام دين تسامج ومساواة ، وإنه يدافع عن حقوق الإسلام الحقيقية وليس الصورة النمطية المسيئة للإسلام، وركز على مشتركات بين الأديان هي مبادئ العدل والتقدم والتسامح وكرامة كل بني البشر، وإنه في كل دين مبدأ: عامل الآخرين كما تحب أن يعاملك الآخرون، وأن الإيمان بالآخرين هو ما دفعه للمجيء إلى القاهرة لمخاطبة المسلمين.

الفقرة السالفة لها أهميتها لتجميل خطابه هو أمام أهل الغرب بدورهم، الذين قرعوه على هذه الزيارة وذلك الخطاب في وسط استبدادي، أما بقية الخطاب فهو تجميل لأمريكا في نظر المسلمين بالتسلل عبر ما هو عزيز علينا ومخاطبتنا على قدر عقولنا، بدأ بالسلام عليكم (تصفيق حاد في القاعة) وشرح أنه رغم مسيحيته فهو من أب مسلم، وأنه تعرف على الإسلام في المواطن الثلاثة التي عاش فيها، وقال إنه سيتبع في كلامه نصح القرآن الكريم: اتقوا الله وقولوا قولا سديدا (تصفيق حاد في القاعة)، وإنه أمر بإغلاق سجن غوانتنامو (تصفيق حاد. عقبال عندنا قادر يا كريم)، وأكد أن حربه موجهة ضد القاعدة فقط، وهي عنده كما هي بالضبط في خطابنا الديني والرسمي المخاتل، هي مجموعة من شواذ المسلمين من قلة منحرفة فهم حسب قوله: «مجرد حفنة شاذة من المسلمين وتصرفاتهم لا تتماشى مع حقوق البشر وتعاليم الإسلام بدليل آية من قتل نفسا بغير نفس.» (تصفيق حاد)، وأن أمريكا لن تكون في حرب مع الإسلام (تصفيق حاد)، وأن المحاكم الأمريكية أعطت المرأة المسلمة حق الحجاب وعاقبت من ينكره عليها (تصفيق حاد)، وحتى يبدو مثلنا يردد ببغائياتنا التاريخية التي هي محفوظاتنا الأثيرة، وشعاراتنا الغالية، قام يردد مقولاتنا الخوالد مثل أن الأزهر قد حمل مشعل التنوير والحضارة للعالم (؟!) وأن المسلمين هم من اخترع البوصلة وعلم الجبر والملاحة (؟!) والطباعة (لا أدري من أعطاه هذه المعلومة الخاطئة لأن الطباعة جاءتنا مع نابليون وكفرها مشايخ من الأزهر كبدعة شيطانية)، إضافة إلى شعرنا في الفخر والهجاء والشحاتة والتسول بألاطة (وما زلنا)، وخطنا العربي اللهلوبة بين كل كتابات وخطوط الدنيا.

Unknown page