Intikasat Muslimin
انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح
Genres
وماذا عن الهمز واللمز من مشاركاتي في مباريات فيصل القاسم؟ ما المانع أن ينزل أحدنا من برجه الليبرالي وصارم وجهه وعمق تفكيره بوضع اليد تحت الذقن ليطارح الناس العاديين مشكلة عميقة المحتوى عبر التلفزيون أو المحاضرة؟ أليست الحجة الموجهة ضد العلمانيين هي فشلهم في الوصول إلى الشارع؟ هل ترى بإمكانك شرح موقف العلمانية من الدين في مناظرة مع قطب إخواني (الدكتور مجدي قرقر) في ندوة عامة في حي شعبي كلاسيكي بالتمام مثل حي باب الشعرية، وإضافة إلى ذلك أن تخرج بالناس يتساءلون عن الطريق إلى العلمانية؟ لقد فعلها أخوك المتواضع بحسبانها فرصة والأجدى أن نقتنص أي فرصة تعرض علينا للوصول إلى هذا الشارع مع الحصار الرسمي لنا؟
أم أن هالة المفكر وكبرياءه المقدسة لا يصح أن تنجرح في مبارزة علنية فيصبح شعبويا مهرجانيا؟ وهل مشروط للمفكر كي يكون مفكرا أن يوغل في الألغاز والغموض والترفع عن تلك الصغائر؟ والله يا أخي حتى الحلقة العبثية مع هاني السباعي حققت مكاسب وعائدية عظيمة بكل المقاييس، فقد أظهرت مدى عيائهم الفكري وإرهابهم العلني وسفههم لدرجة الانحطاط والوطي، رغم أنها كانت كمينا من الجزيرة، بعد أن سبق وخرجت منتصرا من حلقة كمال حبيب وحلقة عبد الوهاب المسيري؛ لأن انتصار العلماني يظل وجعا يؤرق الجزيرة حتى تهزمه علنا أو تنال من مهابته أو لو استطاعت فإنها تعرضه للمهانة.
قالوا لي إن مناظري سيكون الغنوشي، قلت ند كفوء، بعد وصولي إلى الدوحة قالوا الغنوشي اعتذر لأسباب أمنية واللي جاي حسن الترابي، قلت ند كفوء، قبل الحلقة بدقائق قالوا الترابي اعتذر ولم يجدوا سوى هاني السباعي سفيه لندن الأشهر، وفطنت للكمين متأخرا والحلقة على الهواء بعد دقائق، فإما أن أنسحب ويعلن فيصل انسحابي بينما هو مجهز سلفا مناظرا ينتظر، وتكون الهزيمة منكرة للعلمانيين بعد وصولي إلى الدوحة بالفعل، أو أن أقبل، وساعتئذ تذكرت المرحومة أمي الحاجة صفية وهي تحذرني: «خد بالك يا سيد يا ابني، إذا عايز تبهدل راجل محترم سلط مره شرشوحه». وعلمت أني في الموقف الذي حذرتني منه أمي، في انتظاري على الهواء الآن مره شرشوحه. ولكني قررت الاستمرار وكان النصر حظنا المؤزر بالآيات البينات بانكشافهم إرهابا علنيا وسفها مقززا لفريق يزعم التدين المفترض فيه أن يكون عف اللسان قويم الخلق بشوش الوجه حسن اللفظ. ولم أعتقد أن كل ما قاله قد نال من شخصي كمفكر محترم لأن الفارق كان بائنا. وإذا كانت ذاتي قد سبت أو سفهت بسفاهات الإرهابي اللندني السباعي فمالها وما أكتب؟ ذاتي لا اعتبار لها هنا مع نجاح المناظرة كرصيد في الخطوات نحو الهدف.
وهكذا تراني يا أخي أخطو خطواتي وأختار طرقي دون اعتبار بالمرة للذات لأنها عندي خارج الموضوع، وقد أخذت هذه الذات بالقسوة والشدة دون رحمة في أبحاثي وأعمالي، وقررت استمرار العيش في مصر رغم قسوة المجتمع الذي أكتب له ومن أجله، ربما أنت رأيت ذاتي ذات يوم شيئا مهما وانبهرت بها فإذا بك أمام إنسان عادي بكل ما له وما عليه، ستكون بهذا المعنى مشكلتك لا مشكلتي ، أنت تريد أبطالا حتى الموت أو قديسين كاملي الطهارة، أو أربابا أكاديميين، وهي كلها بتعبيرك كائنات افتراضية غير موجودة في الواقع إلا لماما، وكونك اكتشفت خطأك وطلع القمني مش اللي هوه، ولا هو أستاذ ولا هم يحزنون، فلماذا كل هذه الحملة؟ لماذا لم تكتف بإلقاء كتبي من أقرب نافذة في جوارك لتهدأ نفسا وترتاح بالا وينتهي الأمر؟
أما أنا فقد فعلت ذلك مع نفسي وذاتي مبكرا، لهذا أعتبر نفسي دوما مجرد جندي نفر في الجيش العلماني بدون أي رتب، وأفخر بذلك وحده وأكتفي؛ لأن الجيش العلماني يعني الحقوقيين يعني مع الحريات، يعني مع الكرامة، يعني أن أكون فردا منهم فهو الشرف العظيم.
زملاؤك وزملائي راسلوني لأكتب لكتب من تأليفهم تقديمات يريدون بها تشريفا، ولهم الشكر والتقدير كله لأنهم هم أهل الشرف، لكني رأيت أن من يكتبون التقديمات يرتكبون في حق المؤلف لونا من الجرم ، فهم يركبون جهد المؤلف ويضعون أسماءهم على الغلاف دون جهد مواز لجهد المؤلف، لمجرد ركوب الكتاب ووضع الاسم والذات عليه دون مجهود لائق. أرسل لي كمثال الزميلان العزيزان الأستاذ سعيد الكحل وهو صاحب قلم محترم، وأيضا الأستاذ عادل جندي وهو صاحب قلم رفيع، وعندما قرأت العملين وجدتهما ذوي قيمة عالية وصاحبيهما قامتين محترمتين؛ لذلك رفضت أن أكون أيقونة كتاب لتجميله وهو لا يحتاج تجميلا من أحد. لو كانت ذاتي شاغلي لجلست أكتب مقدمات لعشرات الكتاب من باب توسيع الانتشار والرزق أيضا، لكن ذاتي والحمد لله سبق لها أن مرت بطور التضخم زمنا مضى، ثم غادرته إلى غير رجعة، وأحتسبها اليوم من هنات مرحلة الصبا والشعور المبكر بالتميز بالتفكر والتباهي به بين الأقران.
ونظرا لطبيعة كتاباتي وما تعلمونه عنها؛ فهي تخص بلادنا ومشاكلها لذلك لم أسع للترجمة ربما أحصل على جائزة دولية لائقة، رغم استحقاقي؛ لعدم معرفتي بسبل وطرق النشر الأجنبي، وأحمد قدري الذي جعل مطالبي الحياتية شديدة البساطة؛ مما أعطاني قدرا هائلا من الاستغناء، كما أني لن أحصل في بلد مسلم أو عربي على جائزة تقدير ، لأنكم تعلمون ترتيب الولاءات ومقاصات المصالح في جوائز بلادنا، ناهيك عن تكفيري العلني الذي سيعطي كل تلك المؤسسات العذر في عدم منحي جائزتها. وصدقني أخي قريط تمنيت الحصول على واحدة من تلك الجوائز ليس لأنها تحمل تقديرا أدبيا سليما، بل لمردودها المادي الفلوسي البحت الذي أنا بأشد الحاجة إليه. فإن لم أحصل على تقدير منهم فعلى الأقل يكون التقدير من زملائي في العلمانية، التقدير الأدبي وحده لأنهم والحمد لله كلهم عالم فقري مثل حلاتي؛ لذلك لا أخفيك سرا إعجابي الشديد بكون العلمانيين العرب يعتبرونني «أيقونة بني ليبرال» كما ذكرت في مقالك، تكفيني تلك جائزة رفيعة المستوى عالية القيمة نزيهة الحكم والقرار.
ولا يكتفي الأستاذ قريط بذلك، بل يصعد من حدة حملته ويشدد من هجومه بدون سبب واضح لأي سبب، مجرد كلام فلوت، يقول: «القمني كما أراه الآن تحول من مفكر إلى مفكر بأمره، ومن صاحب مشروع إلى سجال بدون موضوع، يبدأ صولاته وجولاته من مقولات: حاكمية الله، والخلافة، وشعار الإسلام هو الحل، وما يتغرغر به الإسلاميون، ذريعة للهجوم على كائن افتراضي؛ لأن تلك المقولات تحمل بذور فنائها بداخلها، ولا تستحق جدلا من حيث المبدأ.»
وصدق زميلي في قوله وأصاب كبد الحقيقة، فنهج التفكير الإسلامي (والديني عموما من وجهة نظري) يحمل بذور فنائه بداخله، لكنه لم يصب بالمرة بقوله إن معركتي مع هذا الفكر هي معركة مع كائن افتراضي، حتى شككت أنه لا يعيش معنا في بلادنا وأنه ممن يكتبون من أوروبا أو أمريكا، وأنه غادر بلادنا من زمان؛ لأنه إذا كان ذلك كذلك فلا شك أن مسلمي الشارع المصري والباكستاني والسعودي والجزائري والصومالي واليمني والعراقي بإعلامهم بتعليمهم بصحوتهم بسلوكهم في الشارع بخياراتهم السياسية كلهم كائن افتراضي لأن كلهم كذلك وكلهم يؤمن بذلك، عدا بعض النخب الليبرالية هنا وهناك ممن لا تأثير لهم في الشارع في أي موطن من تلك المواطن، وأصحاب ملل ونحل أخرى يلوذون بما يؤمنهم على حياتهم فقط وليس حتى كرامتهم في بلادنا المسعورة.
نعم هي تحمل بذور فنائها، وإن التقدم الإنساني لا يتقهقر، لكنه أيضا يسير لولبيا بمعنى أنه يكبو أحيانا، لكنه دوما في ارتقاء، وأن العلم في سبيله يكتسح حارثا الطريق أمام ما يصاحبه من قيم ومبادئ، ستسود في النهاية، كل هذا يا أخي نعلمه من كتب المعلومات الابتدائية والقراءة الرشيدة، وبالإشارة إلى لولبية الصعود والنكوص يأتي دور الشعوب والفرد في التاريخ وشعوب مثلنا بمناهجنا في التفكير بقيمنا بسلوكنا هي حجر عثرة دائم في طريق تقدم الإنسانية، وتقدمها هي نفسها؛ ومن ثم يأتي دور المفكر للتسريع في عملية الفرز والتجنيب والإحلال والتبديل ووضع الخيارات الملائمة لجعل الانتقالات المجتمعية تتم بأقل قدر من الخسائر والمشاكل وبأكثر ما يمكن من السلامية لهدم القديم وإحلال الجديد، وهذا يا أخي ما أقوم به، وأتمنى عليك أن تساهم فيه بشيء كبير مستقبلا فأنت أهل له لو توقفت أنت عن استسهال السجال.
Unknown page