يتح لهذا الدخيل أن يندس في دائرة الأفكار القرآنية، وبالتالي أن يدس الريب والحرمان في الضمير الإسلامي؟
والجواب على ذلك أن هذا الضمير نفسه كانت له حصانته الخاصة ضد الحرمان، فقد كان محصنًا أولًا بنظافته الأخلاقية، التي لم تكن تتيح لأي جرثومة أن تصل إليه من الخارج، أي أنه لم يكن فيه أي استعداد للتعفن.
ثم إنه كان محصنًا ثانيًا بميزة فكرية، وهي التي تكون بالضبط حجر الزاوية في الصراع الفكري، فهذه الميزة هي التي تجعلنا ندرك تلقائيًا قيمة الأفكار بصفتها أفكارًا، وتجعلنا بالتالي ندرك أهمية الصراع الفكري وخطورته، وخاصة تكون هذه الميزة المصفي الذي يمسك الأفكار المزيفة، فلا يتركها تندس في دائرة الأفكار المستقيمة لتزيف وحدتها، وتشوه صورتها.
وبهذا ننتهي إلى أن الشيء الذي يتكفل حصانة دائرة أفكار معينة، هو في الحقيقة، قيمة أخلاقية تشترط النظافة وتفرضها في كل الظروف، وقيمة فكرية تجعلنا نميز بين الغث والسمين.
فإذا حدث في مجتمع ما أن اختل هذا الشرطان الأساسيان فإن الأفكار تفقد كل حصانة، كما يفقد من يدخل الصراع تحت رايتها ضمن ما هو ضد الإيحاءات السلبية، التي تنتجها مختبرات السياسة العلمية لمواجهة الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، وفي هذه الحالة تفقد الأفكار كل فعاليتها في مجتمع لم تبق لها فيه سلطة الرقابة والتصفية والتصحيح، أو لم تكتسب فيه بعد هذه الميزات.
وهكذا تصبح دائرتها معرضة لكل الإيحاءات السلبية الموجهة ضدها، دون أن يمكنها أن ترد من ناحيتها على هذا التحدي.
ويكون المكافح الذي دخل المعركة تحت راية تلك الأفكار، معرضًا لأن يخوض المعركة وحده، دون أن تسانده عن يمينه أو شماله أو من خلفه أو من